( قلت ) : يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون الأمر إلى علمه، وإحاطته بما منوا به منهم، وذلك أعظم على الكفرة وأفتّ في أعضادهم، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم إذا اجتمع عليهم توبيخ الله تعالى وتشكي أنبيائهم عليهم، ومثاله أن ينكت بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكتة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها، وعزم على الانتصار له منه فيجمع بينهما ويقول له ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به يريد توبيخه وتبكيته، فيقول : أنت أعلم بما فعل بي تفويضاً للأمر إلى علم سلطانه واتكالاً عليه وإظهاراً لشكايته وتعظيماً لما به انتهى، وليست الآية كهذا المثال الذي ذكره لأن في الآية ﴿ لا علم لنا ﴾ وهذا نفي لسائر أفراد العلم عنهم بالنسبة إلى الإجابة.
وفي المثال أنت أعلم بما فعل بي وهذا لا ينفي العلم عنه غير أنه أثبت لسلطانه أنه أعلم بالخارجي منه.
وقال ابن أبي الفضل في قول الزمخشري ليس بالقوي لأن السؤال إنما وقع عن كل الأمة وكل الأمة ما كانوا كافرين حتى يريد الرسول توبيخهم، وقيل معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به لأنك علام الغيوب ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم فكأنه لا علم لنا إلا جنب علمك حكاه الزمخشري بهذا اللفظ.
قال الزجاج معناه مختصراً.
وقال ابن عطية قول ابن عباس أصوب لأنه يترجح بالتسليم إلى الله تعالى ورد الأمر إليه إذ لا يعلمون إلا بما شوفهوا به مدة حياتهم وينقصهم ما في قلوب المشافهين من نفاق ونحوه وما كان بعدهم من أممهم والله تعالى يعلم جميع ذلك على التفصيل والكمال فرأوا التسليم له والخشوع لعلمه المحيط انتهى.
وقيل لا علم لنا بما كان بعدنا وإنما الحكم للخاتمة.
قال الزمخشري وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين انتهى.


الصفحة التالية
Icon