قال : فأوحى الله إلى نبيه عيسى، عليه السلام، أن اجعل رزقي المائدة لليتامى والفقراء والزَّمنَى دون الأغنياء من الناس، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس، وغَمطُوا ذلك، حتى شَكُّوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة، ونزولها من السماء أحق، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير ؟ فقال عيسى، عليه السلام : هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقًا، وأراكم فيها الآيات والعبَر كذَّبْتم بها، وشككتم فيها، فأبشروا بالعذاب، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله.
وأوحى الله إلى عيسى : إني آخذ المكذبين بشرطي، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين. قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات.
هذا أثر غريب جدًا. (١) قَطَّعَه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل، أيام عيسى ابن مريم، إجابة من الله لدعوته، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم :﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ ﴾ الآية.
_________
(١) ورواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول كما في تفسير القرطبي(٦/٣٦٩) من طريق زكريا بن حكيم، عن على بن زيد بن جدعان، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان بنحوه، وقال القرطبي :"وفي هذا الحديث مقال ولا يصح من جهة إسناده".