" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ وعاصمٌ :" مُنَزِّلُهَا " : بالتشديد، فقيل : إنَّ أنْزَلَ ونَزَّلَ بمعنًى، وقد تقدَّم تحقيق ذلك، وقيل : التشديدُ للتكثير، فإنها نزلت مرَّاتٍ متعددة.
قوله :" بَعْدُ " : متعلِّق بـ " يَكْفُرْ "، وبُنِي ؛ لقَطْعِه عن الإضافة ؛ إذ الأصل : بَعْدَ الإنْزَالِ، و" مِنْكُمْ " متعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنه حال من فاعل " يَكْفُرْ "، وقوله :" عَذَاباً " فيه وجهان :
أظهرهما : أنه اسمُ مصدرٍ بمعنى التعذيب، أو مصدرٌ على حذفِ الزوائد ؛ نحو :" عَطَاء ونَبَات " لـ " أعْطَى " و" أنْبَتَ "، وانتصابُهُ على المصدريَّة بالتقديرين المذكورين.
والثاني - أجازه أبو البقاء - : أن يكون مفعولاً به على السَّعَة، يعني : جَعَلَ الحَدَثَ مفعولاً به على السَّعة ؛ مبالغةً، وحينئذٍ يكون نصبه على التشبيه بالمفعول به، والمنصوبُ على التشبيه بالمفعول به عند النحاة ثلاثةُ أنواعٍ : معمولُ الصفةِ المشبهة، والمصدرُ، والظرفُ المتَّسَعُ فيهما :
أمَّا المصدرُ، فكما تقدَّم، وأمَّا الظرفُ، فنحو :" يَوْمَ الجُمُعَةِ صُمْتُهُ "، ومنه قوله في ذلك :[ الطويل ]
٢٠٩٩ - وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وعَامِراً...
قَلِيلٌ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نَوَافِلُهْ
قال الزمخشريُّ :" ولو أُريدَ بالعذاب ما يُعَذَّبُ به، لكان لا بُدَّ من البَاءِ "
قال شهاب الدين : إنما قال ذلك ؛ لأنَّ إطلاقَ العذاب على ما يُعَذَّبُ به كثيرٌ، فخاف أن يُتوهَّمَ ذلك، وليس لقائلٍ أن يقول : كان الأصلُ : بِعَذَابٍ، ثم حذفَ الحرف ؛ فانتصب المجرورُ به ؛ لأنَّ ذلكَ لم يَطَّرِدْ إلاَّ مع " أنْ " و" أنَّ " بشرطِ أمْنِ اللَّبْسِ.
قوله :" لاَ أعَذِّبُهُ " الهاءُ فيها ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنها عائدة على " عَذَاب " الذي تقدَّم أنه بمعنى التعْذِيب، والتقدير : فإنِّي أعَذِّبُهُ تَعْذِيباً لا أعَذِّبُ مِثْلَ ذَلِكَ التَّعْذيبِ أحَداً، والجملة في محلِّ نَصْبٍ صفةً لـ " عَذَاباً "، وهذا وجه سالمٌ من تَكَلُّفٍ ستَرَاهُ في غيره، ولمَّا ذكر أبو البقاء هذا لوجه - أعني عودَها على " عَذَاباً " المتقدِّم - قال :" وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : على حَذْفِ حرف الجر، أي : لا أعَذِّبُ به أحداً، والثاني : أنه مفعولٌ به على السَّعة ".
قال شهاب الدين : أمَّا قوله " حُذِفَ الحَرْف "، فقد عرفْتَ أنه لا يجوز إلا فيما استثني.


الصفحة التالية
Icon