ولما كان مما لا يخفى أصلاً أنهم أجيبوا، ولا يقع فيه نزاع ولا يتعلق بالسؤال عنه غرض، تجاوز السؤال إلى الاستفهام من نوع الإجابة فقال :﴿ماذا أجبتم﴾ أي أيّ إجابة أجابكم من أرسلتم إليهم؟ إجابة طاعة أو إجابة معصية.
ولما كان المقصود من قولهم بيان الناجي من غيره، وكانت الشهادة في تلك الدار لا تنفع إلا فيما وافق فيه الإضمار الإظهار، فكانت شهادتهم لا تنفع المشهود له بحسن الإجابة إلا أن يطابق ما قاله بلسانه اعتقاده بقلبه ﴿قالوا﴾ نافين لعلمهم أصلاً ورأساً إذا كان موقوفاً على شرط هو من علم ما غاب ولا علم لهم به ﴿لا علم لنا﴾ أي على الحقيقة لأنا لا نعلم إلا ما شهدناه، وما غاب عنا أكثر، وإذا كان الغائب قد يكون مخالفاً للمشهود، فما شهد ليس بعلم، لأنه غير مطابق للواقع، ولهذا عللوا بقولهم :﴿إنك أنت﴾ أي وحدك ﴿علام الغيوب﴾ أي كلها، تعلمها علماً تاماً فكيف بما غاب عنا من أحوال قومنا! فكيف بالشهادة! فكيف بما شهدنا من ذلك! وهذا في موضع قولهم : أنت أعلم، لكن هذا أحسن أدباً، فإنهم محوا أنفسهم من ديوان العلم بالكلية، لأن كل علم يتلاشى إذا نسب إلى علمه ويضمحل مهما قرن بصفته أو اسمه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٦١ ـ ٥٦٢﴾
فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾
اعلم أن عادة الله تعالى جارية في هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعاً كثيرة من الشرائع والتكاليف والأحكام، أتبعها إما بالإلهيات، وإما بشرح أحوال الأنبياء، أو بشرح أحوال القيامة ليصير ذلك مؤكداً لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع فلا جرم لما ذكر فيما تقدم أنواعاً كثيرة من الشرائع أتبعها بوصف أحوال القيامة أولاً، ثم ذكر أحوال عيسى.
أما وصف أحوال القيامة فهو قوله ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٠١﴾