شروعٌ في بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين من المفاوضة على التفصيلِ إثرَ بيانِ ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال ليكون ذلك كالأُنموذج لتفاصيلِ أحوال الباقين، وتخصيصُ شأن عيسى عليه السلام بالبيان تفصيلاً من بين شؤون سائر الرسل عليهم السلام مع دلالتها على كمال هَوْل ذلك اليوم ونهاية سوء حال المكذبين بالرسل لما أن شأنه عليه السلامُ متعلِّقٌ بكلا الفريقين من أهل الكتاب الذين نُعِيتْ عليهم في السورة الكريمة جناياتُهم، فتفصيلُه أعظمُ عليهم وأجلبُ لحسرتهم وندامتِهم وأفتُّ في أعضادهم وأدخَلُ في صرفهم عن غيّهم وعنادهم، و( إذ ) بدلٌ من ( يومَ يجمع الله ) الخ، وصيغة الماضي لما ذكر من الدلالة على تحقق الوقوع، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لما مر من المبالغة في التهويل ( وتربية المهابة ). وكلمة على في قوله تعالى :﴿ اذكر نِعْمَتِى عَلَيْكَ وعلى والدتك ﴾ متعلقة بنفس النعمة إن جُعلت مصدراً، أي اذكر إنعامي عليكما، أو بمحذوفٍ هو حالٌ منها إن جُعلت اسماً، أي اذكر نعمتي كائنة عليكما، وليس المرادُ بأمره عليه السلام يومئذ بذكر النعمة المنتظمة في سلك التعديد تكليفَه عليه السلام شكرَها والقيامَ بمواجبها ولاتَ حينَ تكليف، مع خروجه عليه السلام عن عهدة الشكر في أوله أيَّ خروج، بل إظهارَ أمره عليه السلام بتعداد تلك النعم حسبما بينه الله تعالى اعتداداً بها وتلذذاً بذكرها على رؤوس الأشهاد، لتكون حكايةُ ذلك على ما أنبأ عنه النظم الكريم توبيخاً ومزجرةً للكفرة المختلفين في شأنه عليه السلام إفراطاً وتفريطاً وإبطالاً لقولهما جميعاً.


الصفحة التالية
Icon