والوجه الثاني : أن المراد منه المبالغة في تحقيق فضيحتهم كمن يقول لغيره ما تقول في فلان ؟ فيقول : أنت أعلم به مني، كأنه قيل : لا يحتاج فيه إلى الشهادة لظهوره، وهذا أيضاً ليس بقوي لأن السؤال إنما وقع عن كل الأمة وكل الأمة ما كانوا كافرين حتى تريد الرسل بالنفي تبكيتهم وفضيحتهم.
والوجه الثالث : في الجواب وهو الأصح وهو الذي اختاره ابن عباس أنهم إنما قالوا لا علم لنا لأنك تعلم ما أظهروا وما أضمروا ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا.
فلهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم لأن علمهم عند الله كلا علم.
والوجه الرابع : في الجواب أنهم قالوا : لا علم لنا، إلا أن علمنا جوابهم لنا وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا.
والجزاء والثواب إنما يحصلان على الخاتمة وذلك غير معلوم لنا.
فلهذا المعنى قالوا لا علم لنا وقوله ﴿إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب﴾ يشهد بصحة هذين الجوابين.
الوجه الخامس : وهو الذي خطر ببالي وقت الكتابة، أنه قد ثبت في علم الأصول أن العلم غير والظن غير والحاصل عند كل أحد من حال الغير إنما هو الظن لا العلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السّرائر " وقال عليه الصلاة والسلام :" إنكم لتختصمون لدي ولعلّ بعضَكم ألحنُ بحجَّته، فمن حكمت له بغير حقه فكأنما قطعت له قِطْعةً من النار " أو لفظ هذا معناه.
فالأنبياء قالوا : لا علم لنا ألبتة بأحوالهم، إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن، والظن كان معتبراً في الدنيا، لأن الأحكام في الدنيا كانت مبنية على الظن، وأما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن لأن الأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأشياء، وبواطن الأمور.
فلهذا السبب قالوا ﴿لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ ولم يذكروا ألبتة ما معهم من الظن لأن الظن لا عبرة به في القيامة.
الوجه السادس : أنهم لما علموا أنه سبحانه وتعالى عالم لا يجهل، حكيم لا يسفه، عادل لا يظلم، علموا أن قولهم لا يفيد خيراً، ولا يدفع شراً فرأوا أن الأدب في السكوت، وفي تفويض الأمر إلى عدل الحي القيوم الذي لا يموت. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٠١ ـ ١٠٢﴾


الصفحة التالية
Icon