وَمِنْهُ خَلْقُ الْكَذِبِ وَالْإِفْكِ قَالَ تَعَالَى :(وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) (٢٩ : ١٧) أَيْ تُقَدِّرُونَ وَتُزَوِّرُونَ كَلَامًا يَأْفِكُ سَامِعَهُ أَيْ يَصْرِفُهُ عَنِ الْحَقِّ. وَيُسْتَعْمَلُ فِي إِيجَادِ اللهِ تَعَالَى الْأَشْيَاءَ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ فِي عِلْمِهِ، وَالْمَعْنَى : وَاذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ إِذْ تَجْعَلُ قِطْعَةً مِنَ الطِّينِ مِثْلَ هَيْئَةِ الطَّيْرِ فِي شَكْلِهَا وَمَقَادِيرِ أَعْضَائِهَا فَتَنْفُخُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ، أَوْ بِتَسْهِيلِهِ أَوْ تَكْوِينِهِ، إِذْ يَجْعَلُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ نَفْسَكَ سَبَبًا لِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنَ الطِّينِ، فَأَنْتَ تَفْعَلُ التَّقْدِيرَ وَالنَّفْخَ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي يُكَوِّنُ الطَّيْرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ كَلَامٌ مِنْ شَيْخِنَا الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ، مَضْمُونُهُ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُعْطِيَ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْ مَكَّنَهُ اللهُ مِنْهَا وَلَمْ يَفْعَلْهَا.
وَاسْتَدْرَكْنَا عَلَى ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ إِلَى دَلَالَةِ آيَةِ الْمَائِدَةِ هَذِهِ عَلَى وُقُوعِهَا مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ بِذَلِكَ، وَبَيَّنَّا سِرَّ ذَلِكَ وَحِكْمَتَهُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ قُوَّةُ رُوحَانِيَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا يَبْعُدُ كِتْمَانُ الْيَهُودِ لِهَذِهِ الْآيَةِ إِذَا كَانَ رَآهَا بَعْضُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَدَّهُ مِنَ السِّحْرِ اعْتِقَادًا أَوْ مُكَابَرَةً وَخَافَ أَنْ تَجْذِبَ قَوْمَهُ إِلَى الْمَسِيحِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :(بِإِذْنِي)


الصفحة التالية
Icon