الوجه الرابع : أنا ذكرنا أن من الناس من قال : إن قول الله تعالى لعيسى ﴿أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله﴾ [ المائدة : ١١٦ ] إنما كان عند رفعه إلى السماء لا في يوم القيامة، وعلى هذا القول فالجواب سهل لأن قوله ﴿إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ يعني إن توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك، وان أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وغفرت لهم ما سلف منهم فلك أيضاً ذاك، وعلى هذا التقدير فلا إشكال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٣ ـ ١١٤﴾
وقال السمرقندى :
فإن قيل : وكيف سأل المغفرة للكفار.
قيل له : لأن عيسى علم أن بعضهم قد تاب ورجع عن ذلك.
فقال :﴿ إِن تُعَذّبْهُمْ ﴾ يعني : الذين ماتوا على الكفر، فإنهم عبادك وأنت القادر عليهم ﴿ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ يعني : الذين أسلموا ورجعوا عن ذلك.
وقال بعضهم : احتمل أنه لم يكن في كتابه ﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً ﴾ [ النساء : ١١٦ ] فلهذا المعنى دعا لهم، ولكن التأويل الأول أحسن.
ويقال :﴿ إن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ يعني : لكذبهم الذي قالوا عليّ خاصة، لا لشركهم.
وهذا التأويل ليس بسديد، والأول أحسن.
وروي عن أبي ذر الغفاري عن النبي ﷺ أنه قرأ هذه الآية ذات ليلة، فردّدها حتى أصبح :﴿ إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ الآية وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير ومعناه :﴿ إِن تُعَذّبْهُمْ ﴾ فإنك أنت العزيز الحكيم ﴿ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ فإنهم عبادك. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾
وقال الماوردى :
قوله عز وجل :﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه قاله على وجه الاستعطاف لهم والرأفة بهم كما يستعطف العبد سيده.


الصفحة التالية
Icon