والثاني : أنه قاله على وجه التسليم لأمر ربه والاستجارة من عذابه. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إِن تعذبهم فإنهم عبادك ﴾ قال الحسن، وأبو العالية : إِن تعذبهم، فبإقامتهم على كفرهم، وإِن تغفر لهم، فبتوبة كانت منهم.
وقال الزجاج : علم عيسى أن منهم من آمن، ومنهم من أقام على الكفر، فقال في جملتهم :﴿ إِن تعذبهم ﴾ أي : إِن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك، وأنت العادل فيهم، لأنك قد أوضحت لهم الحق، فكفروا، وإِن تغفر لهم، أي : وإِن تغفر لمن أقلع منهم، وآمَن، فذلك تفضّل منك، لأنه قد كان لك أن لا تغفر لهم بعد عظيم فريتهم، وأنت في مغفرتك لهم عزيز، لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك.
وقال ابن الأنباري : معنى الكلام : لا ينبغي لأحدٍ أن يعترض عليك، فإن عذبتهم، فلا اعتراض عليك، وإِن غفرت لهم - ولست فاعلاً إِذا ماتوا على الكفر - فلا اعتراض عليك.
وقال غيره : العفو لا ينقص عزّك، ولا يخرج من حكمك.
وقد روى أبو ذر قال : قام رسول الله ﷺ قيام ليلةٍ بآيةٍ يردِّدها :﴿ إِن تعذبهم فإنهم عبادك، وإِن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله عز وجل إخباراً عن عيسى عليه السلام ﴿ إن تعذبهم ﴾ يعني إن تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة بأن تميتهم على كفرهم ﴿ فإنهم عبادك ﴾ لا يقدرون على دفع ضر نزل بهم ولا جلب نفع لأنفسهم وأنت العادل فيهم لأنك أوضحت لهم طريق الحق فرجعوا عنه وكفروا ﴿ وإن تغفر لهم ﴾ يعني لمن تاب من كفره منهم بأن تهديه إلى الإيمان فإن ذلك بفضلك ورحمتك ﴿ فإنك أنت العزيز ﴾ يعني في الانتقام ممن تريد الانتقام منه لا يمتنع عليك ما تريده ﴿ الحكيم ﴾ في أفعالك كلها وهذا التفسير إنما يصح على قول السدي لأنه قال كان سؤال الله عز وجل لعيسى عليه السلام حين رفعه إلى السماء قبل يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon