وقال أبو حيان :
﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ قال الزمخشري :﴿ فإنهم عبادك ﴾ والذين عذبتهم جاحدين لآياتك، مكذبين لأنبيائك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز القوي على الثواب والعقاب الحكيم الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب.
( فإن قلت ) : المغفرة لا تكون للكفار، فكيف قال :﴿ وإن تغفر لهم ﴾ ؟ ( قلت ) : ما قال : إنك تغفر لهم ولكنه بنى الكلام على أن يقال : إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم، لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول، بل متى كان المجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن.
وهذا من الزمخشري ميل إلى مذاهب أهل السنة فإن غفران الكفر جائز عندهم وعند جمهور البصريين من المعتزلة عقلاً، قالوا : لأن العقاب حق لله على الذنب وفي إسقاطه منفعة، وليس في إسقاطه على الله مضرة، فوجب أن يكون حسناً ودل الدليل السمعي في شرعنا على أنه لا يقع، فلعل هذا الدليل السمعي ما كان موجوداً في شرع عيسى عليه السلام، انتهى كلام جمهور البصريين من المعتزلة.
وقال أهل السنة : مقصود عيسى تفويض الأمور كلها إلى الله تعالى وترك الاعتراض بالكلية، ولذلك ختم الكلام بقوله :﴿ فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ أي : قادر على ما تريد في كل ما تفعل لا اعتراض عليك.
وقيل لما قال لعيسى :﴿ أأنت قلت للناس ﴾ الآية.
علم أن قوماً من النصارى حكوا هذا الكلام عنه والحاكي هذا الكفر لا يكون كافراً بل، مذنباً حيث كذب وغفران الذنب جائز فلهذا قال :﴿ وإن تغفر لهم ﴾.
وقيل : كان عند عيسى أنهم أحدثوا المعاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إلا أنهم على عمود دينه، فقال :﴿ وإن تغفر لهم ﴾ ما أحدثوا بعدي من المعاصي وهذا يتوجه على قول من قال : إن قول الله له ﴿ أأنت قلت للناس ﴾ كان وقت الرفع، لأنه قال ذلك وهم أحياء لا يدري ما يموتون عليه.