ولما بادر عليه السلام إعظاماً للمقام إلى الإشارة إلى نفي ما سئل عنه، أتبعه ما يدل على أنه كان يكفي في الجواب عنه : أنت أعلم، وإنما أجاب بما تقدم إشارة إلى أن هذا القول تكاد السماوات يتفطرن منه ومبادرة إلى تبكيت من ادّعاه له، فقال دالاً على أنه لم يقنع بما تضمن أعظم المدح لأن المقام للخضوع :﴿إن كنت قلته﴾ أي مطلقاً للناس أو حدثت به نفسي ﴿فقد علمته﴾ وهو مبالغة في الأدب وإظهار الذلة وتفويض الأمر كله إلى رب العزة ؛ ثم علل الإخبار بعلمه بما هو من خواص الإله فقال :﴿تعلم﴾ ولما كانت النفس يعبر بها عن الذات، وكان القول يطلق على النفس، فإذا انتفى انتفى اللساني، قال :﴿ما في نفسي﴾ أي وإن اجتهدت في إخفائه، فإنه خلقك، وما أنا له إلا آلة ووعاء، فكيف به إن كنت أظهرته.
ولما أثبت له سبحانه ذلك، نفاه عن نفسه توبيخاً لمن ادعى له الإلهية فقال مشاكلة :﴿ولا أعلم ما في نفسك﴾ أي ما أخفيته عني من الأشياء ؛ ثم علل الأمرين كليهما بقوله :﴿إنك أنت﴾ أي وحدك لا شريك لك ﴿علام الغيوب ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٧٣ ـ ٥٧٥﴾
فصل
قال الفخر :
هذا معطوف على قوله ﴿إِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِى عَلَيْكَ﴾ [ المائدة : ١١٠ ] وعلى هذا القول فهذا الكلام إنما يذكره لعيسى يوم القيامة، ومنهم من قال : إنه تعالى قال هذا الكلام لعيسى عليه السلام حين رفعه إليه وتعلق بظاهر قوله ﴿وَإِذْ قَالَ الله﴾ وإذ تستعمل للماضي، والقول الأول أصح، لأن الله تعالى عقب هذه القصة بقوله ﴿هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ﴾ [ المائدة : ١١٩ ] والمراد به يوم القيامة، وأما التمسك بكلمة إذ فقد سبق الجواب عنه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١١﴾
وقال القرطبى :
اختلف في وقت هذه المقالة ؛ فقال قَتَادة وابن جُرَيْج وأكثر المفسرين : إنما يقول له هذا يوم القيامة.
وقال السّدي وقُطْرُب.