وقوله سبحانه :﴿ وَأَنتَ على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ ﴾ تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه على ما قيل إيذان بأنه سبحانه كان هو الشهيد في الحقيقة على الكل حين كونه عليه السلام فيما بينهم، و﴿ على ﴾ متعلقة بشهيد، والتقديم لمراعاة الفاصلة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وبعد أن تبرّأ من أن يكون أمرَ أمّته بما اختلقوه انتقل فبيّن أنّه أمرهم بعكس ذلك حسبما أمره الله تعالى فقال ﴿ ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به ﴾، فقوله :﴿ ما قلت لهم ﴾ ارتقاء في الجواب، فهو استئناف بمنزلة الجواب الأول وهو ﴿ ما يكون لي أن أقول ﴾ الخ...
صرّح هنا بما قاله لأنّ الاستفهام عن مقاله.
والمعنى : ما تجاوزتُ فيما قلتُ حدّ التبليغ لما أمرتني به، فالموصول وصلته هومقول ﴿ ما قلت لهم ﴾ وهو مفرد دالّ على جُمل، فلذلك صحّ وقوعه منصوباً بفعل القول.
و﴿ أنْ ﴾ مفسّرة ﴿ أمرتني ﴾ لأنّ الأمر فيه معنى القول دون حروفه وجملة ﴿ اعبدوا الله ربّي وربّكم ﴾ تفسيرية لِ ﴿ أمرتني ﴾.
واختير ﴿ أمرتني ﴾ على ( قلت لي ) مبالغة في الأدب.
ولمّا كان ﴿ أمرتني ﴾ متضمّناً معنى القول كانت جملة ﴿ اعبدوا الله ربّي وربّكم ﴾ هي المأمورُ بأن يبلّغه لهم فالله قال له : قل لهم اعبدوا الله ربّي وربّكم.
فعلى هذا يكون ﴿ ربّي وربّكم ﴾ من مقول الله تعالى لأنّه أمره بأن يقول هذه العبارة ولكن لما عبّر عن ذلك بفعل ﴿ أمرتني به ﴾ صح تفسيره بحرف ﴿ أن ﴾ التفسيرية فالذي قاله عيسى هو عين اللفظ الذي أمره الله بأن يقوله.
فلا حاجة إلى ما تكلّف به في "الكشاف" على أنّ صاحب "الانتصاف" جوّز وجهاً آخر وهو أن يكون التفسير جرى على حكاية القول المأمور به بالمعنى، فيكون الله تعالى قال له : قل لهم أن يعبدوا ربّك وربّهم.
فلمّا حكاه عيسى قال : اعبدوا الله ربّي وربّكم أ هـ.
وهذا التوجيه هو الشائع بين أهل العلم حتى جعلوا الآية مثالاً لحكاية القول بالمعنى.