وأقول : هو استعمال فصيح قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى :﴿ مكنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم ﴾ في سورة الأنعام ( ٦ ) إذَا أخبرت أنّك قلت لغائب أو قيل له أو أمرت أن يقال له : فلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها، فتجيء بلفظ المخاطبة، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ بذكر غائب دون مخاطبة أ هـ.
وعندي أنّه ضعيف في هذه الآية.
ثمّ تبرّأ من تبعتهم فقال وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم } أي كنت مشاهداً لهم ورقيباً يمنعهم من أن يقولوا مثل هذه المقالة الشنعاء.
و﴿ ما دمت ﴾ ( ما ) فيه ظرفية مصدرية، و( دام ) تامّة لا تطلب منصوباً، و﴿ فيهم ﴾ متعلّق بِ ﴿ دمتُ ﴾، أي بينهم، وليس خبراً لِ ( دام ) على الأظهر، لأنّ ( دام ) التي تطلب خبراً هي التي يراد منها الاستمرار على فعل معيّن هو مضمون خبرها، أمّا هي هنا فهي بمعنى البقاء، أي ما بقيت فيهم، أي ما بقيت في الدنيا.
ولذلك فرّع عنه قوله :﴿ فلمّا توفّيتني كنتَ أنتَ الرقيبَ عليهم ﴾، أي فلمّا قضيت بوفاتي، لأنّ مباشر الوفاة هو ملك الموت.
والوفاة الموت، وتوفّاه الله أماته، أي قضى به وتوفّاه ملك الموت قبض روحه وأماته.
وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى ﴿ إنّي متوفّيك ﴾ في سورة آل عمران ( ٥٥ ).
والمعنى : أنّك لمّا توفّيتني قد صارت الوفاة حائلاً بيني وبينهم فلم يكن لي أن أنكر عليهم ضلالهم، ولذلك قال كنتَ أنتَ الرقيب عليهم }، فجاء بتضير الفصل الدّال على القصر، أي كنت أنتَ الرقيب لا أنا إذ لم يبق بيني وبين الدنيا اتّصال.
والمعنى أنّك تعلم أمرهم وترسل إليهم من يهديهم متى شئت.
وقد أرسل إليهم محمداً ﷺ وهداهم بكلّ وجوه الاهتداء.
وأقصى وجوه الاهتداء إبلاغهم ما سيكون في شأنهم يوم القيامة.
وقوله :﴿ وأنت على كلّ شيء شهيد ﴾ تذييل، والواو اعتراضية إذ ليس معطوفاً على ما تقدّم لئلاّ يكون في حكم جواب ﴿ لمّا ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon