وقال الشيخ محمد أبو زهرة :
(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ).
هذا الكلام السامى فى تأكيد القول الأول، وهو إثبات تنزيه الله تعالى، وأنه ما دعا إلا إلى الوحدانية، ولقد كان كل هذا فى مقام التوبيخ وإثبات الحجة عليهم، وعقابهم على كفرهم، وافترائهم على الله تعالى ربهم، وعلى عيسى ابن مريم رسوله سبحانه إليهم.
والجملة السامية السابقة فيها إثبات استحالة أن يكون قد قال " اتخذونى وأمى
إلهين "، فهى تفى بالدليل، وهى هذه الجملة السامية فيها نفى، وإثبات. فيها نفى القول الذى نسبوه بهتانا إليه، وفيه إثبات ما قاله، ولم يقل سواه، ولذلك كان فيه قصر بالنفى والإثبات، فهو يذكر أنه دعا إلى التوحيد المطلق، وفيه إثبات أنه لا يمكن أن يدعو إلا إلى التوحيد المطلق، وذلك لثلاثة أمور :
أولها - أنه هو الذى أمر ربه، ولم يؤمر بغيره، وهو رسول من عند الله، ولا يمكن أن يكون الرسول قد أدى الرسالة على وجهها إلا إذا بلغ ما أمر به دون سواه، ولذا قال عليه السلام :(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به.
ما أمرتنى أن أقوله وأبلغه، وإلا أكن غير مؤد للرسالة.
ثانيها - أنه لم يكتف ببيان أنه أدى ما أمر به إجمالا، بل ذكر حقيقة ما دعا مفسرا غير مجمل، إذ قال :(أن اعبدوا الله. فإن هى المفسرة، فهو يفسر ما أمر به وهو بين لا إبهام فيه.
وثالثها - أنه اقام الدليل على استحقاقه وحده للعباده سبحانه :(ربي وربكم. أى أنه هو المستحق للعبادة لأنه هو وحده الذى خلقنى، فأنا مخلوق، فكيف أكون إلها، وهو الذى خلقكم وحده فكيف تعبدون غيره ؟ !، وفى هذا التعبير أثبت وحدانية الخلق والتكوين ووحدانية الذات، كما أثبت تصريح اللفظ وحدانية العبادة.


الصفحة التالية
Icon