وأما حسن التكليف كيف شاء وأراد، فذاك ثابت، لأنه سبحانه لما كان مالكاً للكل، كان له أن يتصرف في الكل بالأمر والنهي والثواب والعقاب كيف شاء وأراد.
فصح القول بالتكليف على أي وجه أراده الحق سبحانه وتعالى.
وأما الرد على اليهود فلأنه سبحانه لما كان مالك الملك فله بحكم المالكية أن ينسخ شرع موسى ويضع شرع محمد عليهما الصلاة والسلام وأما الرد على النصارى فلأن عيسى ومريم داخلان فيما سوى الله لأنا بينا أن الموجد إما أن يكون هو الله تعالى أو غيره، وعيسى ومريم لا شك في كونهما داخلين في هذا القسم.
فإذا دللنا على أن كل ما سوى الله تعالى ممكن لذاته موجود بإيجاد الله كائن بتكوين الله كان عيسى ومريم عليهما السلام كذلك.
ولا معنى للعبودية إلا ذلك.
فثبت كونهما عبدين مخلوقين فظهر بالتقرير الذي ذكرناه أن هذه الآية التي جعلها الله خاتمة لهذه السورة برهان قاطع في صحة جميع العلوم التي اشتملت هذه السورة عليها.
والله أعلم بأسرار كلامه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٥ ـ ١١٦﴾
وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ لله ملك السماوات ﴾... الآية، يحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة، ويحتمل أنه مقطوع من ذلك مخاطب به محمد ﷺ وأمته. وعلى الوجهين ففيه عضد ما قال عيسى، إن تعذب الناس فإنهم عبادك على تقدم من تأويل الجمهور. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾ الآية جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى في عيسى أنه إله، فأخبر تعالى أن ملك السموات والأرض له دون عيسى ودون سائر المخلوقين.
ويجوز أن يكون المعنى أن الذي له ملك السموات والأرض يعطي الجنات المتقدّم ذكرها للمطيعين من عباده ؛ جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :
وفي قوله :﴿ لله ملك السموات والأرض ﴾ تنبيهٌ على عبودية عيسى، وتحريضٌ على تعليق الآمال بالله وحده. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon