قوله :" صِدْقُهم " مرفوع بالفاعلية، وهذه قراءة العامة، وقُرِئ شاذاً بنصبه وفيه أربعة أوجه، أحدها : أنه منصوب على المفعول من أجله أي : ينفعهم لأجلِ صدقهم، ذكر ذلك أبو البقاء، وتبعه أبو حيان وهذا لا يجوزُ لأنه فات شرطٌ من شروط النصب، وهو اتحاد الفاعل، فإنَّ فاعلَ النفع غيرُ فاعل الصدقِ، وليس لقائلٍ أن يقول :" يُنْصب بالصادقين فكأنه قيل : الذين يَصْدُقون لأَجل صدقهم فيلزمُ اتحادُ الفاعل " لأنه يؤدي إلى أنَّ الشيء علة لنفسِه، وللقولِ فيه مجال.
الثاني : على إسقاط حرف الجر أي : بصدقهم، وهذا فيه ما عرف من أن حذف الحرف لا يطَّرد.
الثالث : أنه منصوب على المفعول به، والناصب له اسم الفاعل في " الصادقين " أي : الذين صدقوا صدقهم، مبالغةً نحو :" صدقْت القتال " كأنك وعدتَ القتالَ فلم تَكْذِبْه، وقد يُقَوِّي هذا نصبُه على المفعول له، والعامل فيه اسم الفاعل قبله.
الرابع : أنه مصدرٌ مؤكد كأنه قيل : الذين يَصْدُقون الصدقَ كما تقول :" صَدَق الصدقَ "، وعلى هذه الأوجه كلِّها ففاعلُ " ينفع " ضمير يعود على الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ٦٢٦ ـ ٦٢٧﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
قوله جلّ ذكره :﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ﴾.
مَنْ تَعَجَّل ميراثَ صدقه في دنياه من قبولٍ حصل له من الناس، أو رياسةٍ عقدت له، له أو نفع وصل إليه من جاهٍ أو مالٍ. فلا شيء له في آجله من صواب صدقه، لأن الحقَّ - سبحانه - نصّ بأنَّ يومَ القيامة ينفع فيه الصادقين صدقهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾.
ورضاءُ الحق - سبحانه - إثباتُ مَحَلّ لهم، وثناؤه عليهم ومدحُه لهم، وتخصيصهم بأفضاله وفنون نواله. ورضاؤهم عن الحق - سبحانه في الآخرة وصولهم إلى مناهم ؛ فهو الفوز العظيم والنجاة الكبرى. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٤٥٨﴾