كما ذكر: أن الأصمعي اجتمع بالخليل بن أحمد وحرص على فهم العروض منه: فأعياه ذلك فقال له الخليل يوما: قطع لي هذا البيت وأنشده: إذا لم تستطع شيئا البيت ففهم ما أراد فأمسك عنه ولم يشتغل به وسر المسألة: أن الرضى بالله يستلزم الرضى بصفاته وأفعاله وأسمائه وأحكامه ولا يستلزم الرضى بمفعولاته كلها بل حقيقة العبودية: أن يوافقه عبده في رضاه وسخطه فيرضى منها بما يرضى به ويسخط منها ما سخطه فإن قيل: فهو سبحانه يرضى عقوبة من يستحق العقوبة فكيف يمكن العبد أن يرضى بعقوبته له قيل: لو وافقه في رضاه بعقوبته لانقلبت لذة وسرورا ولكن لا يقع منه ذلك فإنه لم يوافقه في محبته وطاعته التي هي سرور النفس وقرة العين وحياة القلب فكيف يوافقه في محبته للعقوبة التي هى أكره شيء إليه وأشق شيء عليه بل كان كارها لما يحبه من طاعته وتوحيده فلا يكون راضيا بما يختاره من عقوبته ولو قبل ذلك لارتفعت عنه العقوبة فإن قلت: فكيف يجتمع الرضى بالقضاء الذي يكرهه العبد من المرض والفقر والألم مع كراهته
قلت: لا تنافي في ذلك فإنه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يحب ويكرهه من جهة تألمه به كالدواء الكريه الذي يعلم أن فيه شفاءه فإنه يجتمع فيه رضاه به وكراهته له فإن قلت: كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه قلت: لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التى رضيها له وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هى أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة بحيث يكون وقوعها منه مستلزما لمفسدة راجحة ومفوتا لمصلحة راجحة وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله:


الصفحة التالية
Icon