" فصل فى مقصود السورة الكريمة "
قال البقاعى :
مقصودها الاستدلال على ما دعا إليه الكتابُ في السورة الماضية من التوحيد بأنه الحاوي لجميع الكمالات من الإيجاد والإعدام والقدرة على البعث وغيره، وأنسب الأشياء المذكورة فيها لهذا المقصد الأنعام، لأن الإذن فيها - كما يأتي - مسبب عما ثبت له من الفلق والتفرد بالخلق، تضمن باقي ذكرها إبطال ما اتخذوه من أمرها ديناً، لأنه لم يأذن فيه ولا أذن لأحد معه، لأنه المتوحد بالإلهية، لا شريك له، وحصر المحرمات من المطاعم التي هي جُلُّها في هذا الدين وغيره، فدل ذلك على إحاطة علمه، وسيأتي في سورة طه البرهان الظاهر على أن إحاطة العلم ملزومة لشمول القدرة وسائر الكمالات، وذلك عين مقصود السورة، وقد ورد من عدة طرق - كما بينتُ ذلك في كتابي " مصاعد النظر " أنها نزلت جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتسبيح، وفي رواية : إن نزولها كان ليلاً، وإن الأرض كانت ترتج لنزولها.
وهي كلها في حجاج المشركين وغيرهم من المبتدعة والقدرية وأهل الملل الزائغة، وعليها مبنى أصول الدين لاشتمالها على التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب الملحدين، وإنزالها على الصورة المذكورة يدل على أن أصول الدين في غاية الجلالة، وأن تعلّمه واجب على الفور لنزولها جملة، بخلاف الأحكام فإنها تفرق بحسب المصالح، ولنزولها ليلاً دليلٌ على غاية البركة لأنه محل الأنس بنزوله تعالى إلى سماء الدنيا، وعلى أن هذا العلم لا يقف على أسراره إلا البصراء الأيقاظ من سنة الغفلات، أولو الألباب أهل الخلوات، والأرواح الغالبة على الأبدان وهم قليل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon