هذه هي كلمتي الأخيرة.. وإنني لأرجو أن أكون بهذا البيان لطبيعة القرآن المكي، ولطبيعة المنهج الرباني المتمثل فيه، قد بلغت ; وأن يعرف أصحاب الدعوة الإسلامية طبيعة منهجهم، ويثقوا به، ويطمئنوا إليه ; ويعلموا أن ما عندهم خير، وأنهم هم الأعلون.. (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).. صدق الله العظيم..
ونمضي بعد ذلك لمواجهة السورة.
٥ - موضوع سورة الأنعام وطريقتها في عرضه
هذه السورة - وهي أولى السور المكية التي نتعرض لها هنا في سياق هذه الظلال - نموذج كامل للقرآن المكي الذي تحدثنا عن طبيعته وخصائصه ومنهجه في الصفحات السابقة ; وهي تمثل طبيعة هذا القرآن وخصائصه ومنهجه، في موضوعها الأساسي، وفي منهج التناول، وفي طريقة العرض سواء.. ذلك مع احتفاظها "بشخصيتها" الخاصة ; وفق الظاهرة الملحوظة في كل سور القرآن ; والتي لا تخطئها الملاحظة البصيرة في أية سورة.. فلكل سورة شخصيتها، وملامحها، ومحورها، وطريقة عرضها لموضوعها الرئيسي ; والمؤثرات الموحية المصاحبة للعرض ; والصور والظلال والجو الذي يظللها ; والعبارات الخاصة التي تتكرر فيها ; وتكون أشبه باللوازم المطردة فيها... حتى وهي تتناول موضوعا واحدا أو موضوعات متقاربة. فليس الموضوع هو الذي يرسم شخصية السورة ; ولكنه هذه الملامح والسمات الخاصة بها !
وهذه السورة - مع ذلك - تعالج موضوعها الأساسي بصورة فريدة.. إنها في كل لمحة منها وفي كل موقف، وفي كل مشهد، تمثل "الروعة الباهرة ".. الروعة التي تبده النفس، وتشده الحس، وتبهر النفس أيضا ; وهو يلاحق مشاهدها وإيقاعها وموحياتها مبهورا !
نعم ! هذه حقيقة ! حقيقة أجدها في نفسي وحسي وأنا أتابع سياق السورة ومشاهدها وإيقاعاتها.. وما أظنبشرا ذا قلب لا يجد منها لونا من هذا الذي أجد.. إن الروعة فيها تبلغ فعلا حد البهر. حتى لا يملك القلب أن يتابعها إلا مبهورا مبدوها !


الصفحة التالية
Icon