وأما الآية الثانية فالسياق لا يحتمل أن تكون مدنية. لأن السياق بدونها ينقطع ما قبلها فيه عما بعدها في المعنى وفي العبارة. والحديث متصل عن إنشاء الله للجنات المعروشات، وعن جعله حمولة وفرشا من الأنعام في الآية التي تليها:(ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).. ثم يمضي السياق في تكملة الحديث عن الأنعام، الذي كان قد بدأه قبل آية الثمار.. يجمعها كلها موضوع واحد، هو الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة الخاصة بقضية التحريم والتحليل والنذور.
وإنما الذي جعل بعضهم يعتبرها مدنية هو ما جاء فيها من قوله تعالى: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده).. واعتبارهم هذا الأمر يعني الزكاة. والزكاة لم تتقرر بأنصبتها المحددة في الزروع والثمار إلا في المدينة.. ولكن هذا المعنى ليس متعينا في الآية. إذ أن هناك أقوالا مأثورة في تفسيرها بأنها تعني الصدقات، أو بأنها تعني الإطعام منها لمن يمر بهم يوم الحصاد أو جني الثمار ; أو لقرابتهم.. وأن الزكاة حددت فيما بعد بالعشر ونصف العشر.. وعلى هذا تكون الآية مكية.
وقال الثعلبي: سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة: (وما قدروا الله حق قدره).. إلى آخر ثلاث آيات. و(قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم).. إلى آخر ثلاث آيات..
والآيات الأولى بينا مكيتها، إذ ينطبق على الآيتين الثانية والثالثة من هذه المجموعة ما ينطبق على الآية الأولى منها..
أما المجموعة الثانية فليس هناك - فيما وصل إليه اطلاعي - رواية عن صحابي ولا تابعي عن كونها مدنية ; وليس في موضوعها ما يدعو إلى اعتبارها مدنية. وهي تتحدث عن تصورات جاهلية ; وهي متصلة بموضوع التحريم والتحليل في الذبائح والنذور الذي سبق الحديث عنه، اتصالا وثيقا.. لذلك نميل إلى اعتبارها مكية كذلك..