ثم تبدأ موجة خامسة، يلتفت فيها السياق إلى رسول الله ( ﷺ ) يسليه ويسري عنه ما يحزنه من تكذيبهم له ولما جاءهم من عند الله به. ويجعل له أسوة في الرسل قبله ممن صبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله. ويقرر أن سنة الله لا تتبدل، ولكنها كذلك لا تستعجل ! فإن كان ( ﷺ ) لا يصبر على إعراضهم، فليبذل جهده البشري في إتيانهم بخارقة ! ولو شاء الله لجمعهم على الهدى. إنما اقتضت مشيئته في خلقه - وهو وحده صاحب الأمر المتصرف - أن يستجيب الذين لا تتعطل أجهزتم الفطرية عن التلقي. والموتى لا حياة فيهم فهم لا يستقبلون موحيات الهدى ولا يستجيبون. والله يبعثهم، وهم إليه يرجعون..
(قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. ولقد كذبت رسل من قبلك، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين. وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهمبآية. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين. إنما يستجيب الذين يسمعون، والموتى يبعثهم الله، ثم إليه يرجعون)..
وهكذا يمضي سياق السورة موجة في إثر موجة على هذا النسق الذي عرضنا منه نماذج، لعلها تصور طبيعة السورة، كما تصور موضوعها.. وهي تبلغ في بعض موجاتها ذروة أعلى من ذرى هذه الموجات التي استعرضناها ; كما أن تدفقها في بعض المسالك أشد جيشانا وأعلى إيقاعًا.. ولكننا لا نملك أن نستعرض السورة كلها في هذا التعريف المجمل، وسيأتى شيء من ذلك في الفقرة التالية..
٩ - حقيقة الألوهية في مواقف ومشاهد مختارة من الأنعام