وقد روى أبو نعيم الحافظ في كتابه عن مُرَّة عن ابن مسعود أن المَلك الموكَّل بالرَّحم يأخذ النطفة فيضعها على كفه ثم يقول : يا رب مُخلّقة أو غير مخلّقة؟ فإن قال مُخلّقة قال : يا رب ما الرزق، ما الأثر، ما الأجل؟ فيقول : انظر في أُمّ الكتاب، فينظر في اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره وأجله وعمله، ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ [ طه : ٥٥ ].
وخرّج عن أبي هُريرة قال : قال رسول الله ﷺ :" ما من مولود إلا وقد ذُرَّ عليه من تُراب حُفْرته ".
قلت : وعلى هذا يكون كل إنسان مخلوقاً من طين وماء مهين، كما أخبر جل وعز في سورة "المؤمنون" ؛ فتنتظم الآيات والأحاديث، ويرتفع الإشكال والتعارض، والله أعلم.
وأما الإخبار عن خلق آدم عليه السلام فقد تقدّم في "البقرة" ذكره واشتقاقه، ونزيد هنا طرفاً من ذلك ونعته وسِنِّه ووفاته ؛ ذكر ابن سعد في "الطَّبقات" عن أبي هُريرة قال قال رسول الله ﷺ :" الناس ولد آدم وآدم من التراب " وعن سعيد بن جُبير قال : خلق الله آدم عليه السلام من أرض يقال لها دَجْنَاء ؛ قال الحسن : وخلق جُؤْجُؤه من ضَرِيّة ؛ قال الجوهريّ : ضَرِيَّة قرية لبني كلاب على طريق البصرة وهي إلى مكة أقرب، وعن ابن مسعود قال :"إن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أَدِيم الأرض من عَذْبها وما لحها فخلق منه آدم عليه السلام فكل شيء خلقه من عَذْبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ابن كافر، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار وإن كان ابن تقيّ ؛ فمن ثَمّ قال إبليس :﴿ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾ [ الإسراء : ٦١ ] لأنه جاء بالطينة ؛ فسمى آدم ؛ لأنه خلق من أَدِيم الأرض.
وعن عبد الله بن سَلاَم قال : خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة.