ومعنى ﴿ خلقكم من طين ﴾ أنّه خلق أصل النّاس وهو البشر الأوّل من طين، فكان كلّ البشر راجعاً إلى الخلق من الطين، فلذلك قال ﴿ خلقكم من طين ﴾.
وقال في موضع آخر ﴿ إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ﴾ [ الإنسان : ٢ ] أي الإنسان المتناسل من أصل البشر.
و﴿ ثم ﴾ للترتيب والمهلة عاطفة فعل ﴿ قضى ﴾ على فعل ﴿ خلق ﴾ فهو عطف فعل على فعل وليس عطف جملة على جملة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾

فصل


قال الفخر :
لفظ القضاء قد يرد بمعنى الحكم والأمر.
قال تعالى :﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ [ الأسراء : ٢٣ ] وبمعنى الخبر والاعلام.
قال تعالى :﴿وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسرائيل فِى الكتاب﴾ [ الإسراء : ٤ ] وبمعنى صفة الفعل إذَا تمّ.
قال تعالى :﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات فِى يَوْمَيْنِ﴾ [ فصلت : ١٢ ] ومنه قولهم قضى فلان حاجة فلان.
وأما الأجل فهو في اللغة عبارة عن الوقت المضروب لانقضاء الأمد، وأجل الإنسان هو الوقت المضروب لانقضاء عمره، وأجل الدين محله لانقضاء التأخير فيه وأصله من التأخير يقال أجل الشيء يأجل أجولاً، وهو آجل إذا تأخر والآجل نقيض العاجل.
إذا عرفت هذا فقوله ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾ معناه أنه تعالى خصص موت كل واحد بوقت معين وذلك التخصيص عبارة عن تعلق مشيئته بإيقاع ذلك الموت في ذلك الوقت.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيّتُونَ﴾ [ المؤمنون : ١٥ ].
وأما قوله تعالى :﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾
فاعلم أن صريح هذه الآية يدل على حصول أجلين لكل إنسان.
واختلف المفسرون في تفسيرهما على وجوه :
الأول : قال أبو مسلم قوله ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾ المراد منه آجال الماضين من الخلق وقوله ﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ المراد منه آجال الباقين من الخلق فهو خص هذا الأجل.


الصفحة التالية
Icon