فائدة
قال ابن عاشور :
والمهلة هنا باعتبار التوزيع، أي خلق كلّ فرد من البشر ثم قضى له أجله، أي استوفاه له، ف ﴿ قضى ﴾ هنا ليس بمعنى ( قدّر ) لأنّ تقدير الأجل مقارن للخلق أو سابق له وليس متأخّراً عنه ولكن ﴿ قضى ﴾ هنا بمعنى ( أوفى ) أجل كلّ مخلوق كقوله :﴿ فلمّا قضينا عليه الموت ﴾ [ سبأ : ١٤ ]، أي أمتناه.
ولك أن تجعل ( ثم ) للتراخي الرتبي.
وإنّما اختير هنا ما يدلّ على تنهية أجل كلّ مخلوق من طين دون أن يقال : إلى أجل، لأنّ دلالة تنهية الأجل على إمكان الخلق الثاني، وهو البعث، أوضح من دلالة تقدير الأجل، لأنّ التقدير خفي والذي يعرفه الناس هو انتهاء أجل الحياة، ولأنّ انتهاء أجل الحياة مقدمة للحياة الثانية.
وجملة ﴿ وأجل مسمّى عنده ﴾ معترضة بين جملة ﴿ ثم قضى أجلاً ﴾.
وجملة ﴿ ثم أنتم تمترون ﴾.
وفائدة هذا الاعتراض إعلام الخلق بأنّ الله عالم آجال الناس ردّاً على قول المشركين ﴿ ما يهلكنا إلاّ الدهر ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ].
وقد خولفت كثرة الاستعمال في تقديم الخبر الظرف على كلّ مبتدأ نكرة موصوفة، نحو قوله تعالى :﴿ ولي نعجة واحدة ﴾ [ ص : ٢٣ ]، حتّى قال صاحب "الكشاف" : إنّه الكلام السائر، فلم يقدّم الظرف في هذه الآية لإظهار الاهتمام بالمسند إليه حيث خولف الاستعمال الغالب من تأخيره فصار بهذا التقديم تنكيره مفيداً لمعنى التعظيم، أي وأجل عظيم مسمّى عنده.
ومعنى :﴿ مسمّى ﴾ معيّن، لأنّ أصل السمة العلامة التي يتعيّن بها المعلّم.
والتعيين هنا تعيين الحدّ والوقت.
والعندية في قوله :﴿ عنده ﴾ عندية العلم، أي معلوم له دون غيره.
فالمراد بقوله :﴿ وأجل مسمّى ﴾ أجل بعث الناس إلى الحشر، فإنّ إعادة النّكرة بعد نكرة يفيد أنّ الثانيّة غير الأولى، فصار : المعنى ثم قضى لكم أجلين : أجلاً تعرفون مدّته بموت صاحبه، وأجلاً معيّن المدّة في علم الله.


الصفحة التالية
Icon