" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :" مِنْ طينٍ " فيه وَجْهَان :
أظهرهما : أنه متعلّق بـ " خَلَقَكُمْ "، و" مِنْ " لابتداء الغَايَةِ.
أظهرهما : أنه متعلّقٌ بمحذوف على أنه حَالٌ، وهل يحتَاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا؟ فيه خلاف.
ذهب [ جماعة ] كالمهدويِّ ومكي، إلى أنه لا حَدْفَ، وأنَّ الإنسان مَخْلُوقٌ من الطين.
وروي عن رسول الله ﷺ :" مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدٌ إلاَّ ويُذّرُّ على النُّطْفَةِ مِنْ تُرَابِ حٌفْرَتِهِ ".
وقيل : إنَّ النُّطْفَةَ أصْلُهَا الطِّينٌ كما تقدَّم.
وقال أكْثرٌ المُفَسِّرينَ : ثَمَّ محذوفٌ، أي : خَلَقَ أصْلكم أو أباكم من طينٍ، يعنون آدم وقَصَّتُهُ مشهورة.
وقال امرؤ القيس :[ الوافر ]
٢١٠٢ - إلَي عِرْقِ الُّثرَى رَسَخَتْ عُرُوقِي...
وهَذَا المَوْتُ يَسْلُبُنِي شَبَابِي
قالوا : أراد بعِرْقِ الثَّرى آدم عليه الصلاة والسلام لأنَّه أصلُه.
قوله :" ثُمَّ قَضَى " إذا كان " قَضَى " بمعنى أظهر ف " ثُمَّ " للترتيبِ الزماني على أصلها ؛ لأنَّ ذلك متأخِرٌ عن خَلْقِنا، وهي صفة فعل، وإن كان بمعنى " كَتَب " و" قَدَّر " فهي للترتيب في الذِّكرِ ؛ لأنَّها صِفَةُ ذاتٍ، وذلك مُقدَّمّ على خَلْقِنا.
قوله :﴿ وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾ مبتدأ وخبر، وسوِّغَ الابتداء هنا شيئان :
أحدهما : وَصْفُهُ، كقوله :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِن ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ].
والثاني : عَطْفُهُ بـ " ثمَّ " والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ.
قال الشاعر :[ البسط ]
٢١٠٣ - عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلْتِي...
فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤّ سَمِعَا؟
والتنكير في الأجلين لإبهام، وهنا مُسَوَّغُ آخر، وهو التفصيل كقوله :[ الطويل ]
٢١٠٤ إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه...
ُ بِشِقِّ وَشِقٌ عِنْدّنَا لَمْ يُحَوَّل
ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ إن كان المبتدأ نكرةً، والخبرُ ظرفاً، قال الزمخشري :
" لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ المعرفة ".


الصفحة التالية
Icon