وقال الفخر :
اعلم أنا إن قلنا : إن المقصود من الآية المتقدمة إقامة الدليل على وجود الصانع القادر المختار.
قلنا : المقصود من هذه الآية بيان كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات، فإن الآيتين المتقدمتين يدلان على كمال القدرة، وهذه الآية تدل على كمال العلم وحينئذٍ يكمل العلم بالصفات المعتبرة في حصول الإلهية، وإن قلنا : المقصود من الآية المتقدمة إقامة الدلالة على صحة المعاد، فالمقصود من هذه الآية تكميل ذلك البيان، وذلك لأن منكري المعاد إنما أنكروه لأمرين أحدهما : أنهم يعتقدون أن المؤثر في حدوث بدن الإنسان هو امتزاج الطبائع وينكرون أن يكون المؤثر فيه قادراً مختاراً.
والثاني : أنهم يسلمون ذلك إلا أنهم يقولون إنه غير عالم بالجزئيات فلا يمكنه تمييز المطيع من العاصي، ولا تمييز أجزاء بدن زيد عن أجزاء بدن عمرو ثم إنه تعالى أثبت بالآيتين المتقدمتين كونه تعالى قادراً ومختاراً لا علة موجبة، وأثبت بهذه الآية كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات، وحينئذٍ تبطل جميع الشبهات التي عليها مدار القول بإنكار المعاد، وصحة الحشر والنشر فهذا هو الكلام في نظم الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٢٨﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض ﴾ يقال : ما عامل الإعراب في الظرف من ﴿ فِي السماوات وَفِي الأرض ﴾ ؟ ففيه أجوبة : أحدها أي وهو الله المعظَّم أو المعبود في السموات وفي الأرض ؛ كما تقول : زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حُكْمه.
ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السموات وفي الأرض ؛ كما تقول : هو في حاجات الناس وفي الصلاة، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر ويكون المعنى : وهو الله في السموات وهو الله في الأرض.
وقيل : المعنى وهو الله يعلم سِرّكم وجهركم في السموات وفي الأرض فلا يخفى عليه شيء ؛ قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل فيه.


الصفحة التالية
Icon