ورابعها : أن الانتفاع بجميع النعم لا يمكن إلا بعد وجود المنتفع بعد كونه حياً قادراً عالماً، ونعمة الوجود والحياة والقدرة والعلم ليست إلا من الله سبحانه والتربية الأصلية والأرزاق المختلفة لا تحصل إلا من الله سبحانه من أول الطفولية إلى آخر العمر.
ثم إذا تأمل الإنسان في آثار حكمة الرحمن في خلق الإنسان ووصل إلى ما أودع الله تعالى في أعضائه من أنواع المنافع والمصالح علم أنها بحر لا ساحل له، كما قال تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] فبتقدير : أن نسلم أن العبد يمكنه أن ينعم على الغير إلا أن نعم العبد كالقطرة، ونعم الله لا نهاية لها أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً فلهذا السبب كان المستحق للحمد المطلق والثناء المطلق ليس إلا الله سبحانه فلهذا قال :﴿الحمد للَّهِ ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٨ ـ ١١٩﴾
وقال ابن عاشور :
جملة ﴿ الحمد لله ﴾ تفيد استحقاق الله تعالى الحمد وحده دون غيره لأنّها تدلّ على الحصر.
واللام لتعريف الجنس، فدلّت على انحصار استحقاق هذا الجنس لله تعالى.
وقد تقدّم بيان ذلك مستوفى في أول سورة الفاتحة.
ثم إنّ جملة ﴿ الحمد لله ﴾ هنا خبر لفظاً ومعنىً إذ ليس هنا ما يصرف إلى قصد إنشاء الحمد بخلاف ما في سورة الفاتحة لأنّه عقّب بقوله :﴿ إيّاك نعبد ﴾ [ الفاتحة : ٥ ] إلى آخر السورة، فمن جوّز في هذه أن تكون إنشاء معنى لم يُجد التأمّل.
فالمعنى هنا أنّ الحمد كُلّه لا يستحقّه إلاّ الله، وهذا قصر إضافي للردّ على المشركين الذين حمدوا الأصنام على ما تخيّلوه من إسدائها إليهم نعماً ونصراً وتفريج كربات، فقد قال أبو سفيان حين انتصر هو وفريقه يوم أحُد : أعلُ هُبل لنا العُزّى ولا عُزّى لكم.