ويجوز أن يكون قصراً حقيقياً على معنى الكمال وأنّ حمد غيره تعالى من المنعمين تسامح لأنّه في الحقيقة واسطة صورية لجريان نعمة الله على يديه، والمقصود هو هو، وهو الردّ على المشركين، لأنّ الأصنام لا تستحقّ الحمد الصوري بله الحقيقي كما قال إبراهيم عليه السلام "لمَ نعْبُدُ ما لا يسمع ولا يُبْصر ولا يُغْني عنك شيئاً".
ولذلك عقّبت جملة الحمد على عظيم خلق الله تعالى بجملة ﴿ ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ﴾.
والموصول، في محلّ الصفة لاسم الجلالة، أفاد مع صلته التذكير بعظيم صفة الخلق الذي عمّ السماوات والأرض وما فيهنّ من الجواهر والأعراض.
وذلك أوجز لفظ في استحضار عظمة قدرة الله تعالى.
وليس في التعريف بالموصولية هنا إيذان بتعليل الجملة التي ذكرت قبله، إذ ليست الجملة إنشائية كما علمت.
والجملة الخبرية لا تعلّل، لأنّ الخبر حكاية ما في الواقع فلا حاجة لتعليله.
فالمقصود من الأوصاف التمهيد لقوله بعدُ ﴿ ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
إنما قال :﴿الحمد للَّهِ﴾ ولم يقل : أحمد الله، لوجوه : أحدها : أن الحمد صفة القلب وربما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللفظة حال كونه غافلاً بقلبه عن استحضار معنى الحمد والثناء، فلو قال في ذلك الوقت أحمد الله، كان كاذباً واستحق عليه الذم والعقاب، حيث أخبر عن دعوى شيء مع أنه ما كان موجوداً.
أما إذا قال : الحمد لله، فمعناه : أن ماهية الحمد وحقيقته مسلمة لله تعالى.
وهذا الكلام حق وصدق سواء كان معنى الحمد والثناء حاضراً في قلبه أو لم يكن، وكان تكلمه بهذا الكلام عبادة شريفة وطاعة رفيعة فظهر الفرق بين هذين اللفظين.


الصفحة التالية