فنقول في الجواب عن الأول : الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الحق سبحانه عبارة عن علمه النافذ في جميع الكليات والجزئيات الواصل إلى جميع ذوات الكائنات والممكنات وأما كونه فاطراً فهو عبارة عن الإيجاد والإبداع، فكونه تعالى خالقاً إشارة إلى صفة العلم، وكونه فاطراً إشارة إلى صفة القدرة، وكونه تعالى رباً ومربياً مشتمل على الأمرين، فكان ذلك أكمل.
والجواب عن الثاني : أن الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الله تعالى عبارة عن علمه بالمعلومات، والعلم بالشيء صح تقدمه على وجود المعلوم.
ألا ترى أنه يمكننا أن نعلم الشيء قبل دخوله في الوجود.
أما إيجاد الشيء، فإنه لا يحصل إلا حال وجود الأثر بناء على مذهبنا أن القدرة إنما تؤثر في وجود المقدور حال وجود المقدور.
فلهذا السبب قال :﴿خَلَقَ السموات﴾ والمراد أنه كان عالماً بها قبل وجودها، وقال :﴿فَاطِرَ السموات والأرض﴾ والمراد أنه تعالى إنما يكون فاطراً لها وموجداً لها عند وجودها.
فصل
قال الفخر :
في قوله ﴿الحمد للَّهِ﴾ قولان :
الأول : المراد منه احمدوا الله تعالى، وإنما جاء على صيغة الخبر لفوائد : إحداها : أن قوله ﴿الحمد للَّهِ﴾ يفيد تعليم اللفظ والمعنى، ولو قال : احمدوا لم يحصل مجموع هاتين الفائدتين.
وثانيها : أنه يفيد أنه تعالى مستحق الحمد سواء حمده حامد أو لم يحمده.
وثالثها : أن المقصود منه ذكر الحجة فذكره بصيغة الخبر أولى.
والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين معناه قولوا الحمد لله.
قالوا : والدليل على أن المراد منه تعليم العباد أنه تعالى قال في أثناء السورة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهذا الكلام لا يليق ذكره إلا بالعباد.
والمقصود أنه سبحانه لما أمر بالحمد وقد تقرر في العقول أن الحمد لا يحسن إلا على الإنعام، فحينئذ يصير هذا الأمر حاملاً للمكلف على أن يتفكر في أقسام نعم الله تعالى عليه.