ويجب على العاقل أن يعرف أن العرش ما هو، وأن الكرسي ما هو، وأن يعرف صفاتهما وأحوالهما، ثم يتأمل أن اللوح المحفوظ، والقلم والرفرف، والبيت المعمور، وسدرة المنتهى ما هي، وأن يعرف حقائقها، ثم يتفكر في طبقات السموات وكيفية اتساعها وأجرامها وأبعادها، ثم يتأمل في الكواكب الثابتة والسيارة، ثم يتأمل في عالم العناصر الأربعة والمواليد الثلاثة وهي المعادن والنبات والحيوان، ثم يتأمل في كيفية حكمة الله تعالى في خلقه الأشياء الحقيرة والضعيفة كالبق والبعوض، ثم ينتقل منها إلى معرفة أجناس الأعراض وأنواعها القريبة والبعيدة، وكيفية المنافع الحاصلة من كل نوع من أنواعها، ثم ينتقل منها إلى تعرف مراتب الأرواح السفلية والعلوية والعرشية والفلكية، ومراتب الأرواح المقدسة عن علائق الأجسام المشار إليها بقوله ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ [ الأنبياء : ١٩ ] فإذا استحضر مجموع هذه الأشياء بقدر القدرة والطاقة، فقد حضر في عقله ذرة من معرفة العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى.
ثم عند هذا يعرف أن كل ما حصل لها من الوجود وكمالات الوجود في ذواتها من صفاتها وأحوالها وعلائقها، فمن إيجاد الحق ومن جوده ووجوده، فعند هذا يعرف من معنى قوله ﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ ذرة، وهذا بحر لا ساحل له، وكلام لا آخر له والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٢١ ـ ١٢٢﴾

فصل


قال الفخر :
إنا وإن ذكرنا أن قوله ﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ أُجري مجرى قوله قولوا : الحمد لله ربّ العالمين فإنما ذكرناه لأن قوله في أثناء السورة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لا يليق إلا بالعبد فلهذا السبب افتقرنا هناك إلى هذا الإضمار.
أما هذه السورة وهي قوله ﴿الحمد للَّهِ الذى خَلَقَ السموات والأرض﴾ فلا يبعد أن يكون المراد منه ثناء الله تعالى به على نفسه.


الصفحة التالية
Icon