وأفرد الأرض لأنّها عالم واحد، ولذلك لم يجيء لفظ الأرض في القرآن جمعاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن المقصود من هذه الآية ذكر الدلالة على وجود الصانع.
وتقريره أن أجرام السموات والأرض تقدرت في أمور مخصوصة بمقادير مخصوصة، وذلك لا يمكن حصوله إلا بتخصيص الفاعل المختار.
أما بيان المقام الأول فمن وجوه : الأول : أن كل فلك مخصوص اختص بمقدار معين مع جواز أن يكون الذي كان حاصلاً مقداراً أزيد منه أو أنقص منه.
والثاني : أن كل فلك بمقدار مركب من أجزاء، والجزء الداخل كان يمكن وقوعه خارجاً وبالعكس.
فوقوع كل واحد منها في حيزه الخاص أمر جائز.
والثالث : أن الحركة والسكون جائزان على كل الأجسام بدليل أن الطبيعة الجسمية واحدة.
ولوازم الأمور الواحدة واحدة.
فإذا صح السكون والحركة على بعض الأجسام وجب أن يصحا على كلها : فاختصاص الجسم الفلكي بالحركة دون السكون اختصاص بأمر ممكن.
والرابع : أن كل حركة، فإنه يمكن وقوعها أسرع مما وقع وأبطأ مما وقع، فاختصاص تلك الحركة المعينة بذلك القدر المعين من السرعة والبطء اختصاص بأمر ممكن.
والخامس : أن كل حركة، وقعت متوجهة إلى جهة، فإنه يمكن وقوعها متوجهة إلى سائر الجهات.
فاختصاصها بالوقوع على ذلك الوجه الخاص اختصاص بأمر ممكن.
والسادس : أن كل فلك فإنه يوجد جسم آخر إما أعلى منه وإما أسفل منه، وقد كان وقوعه على خلاف ذلك الترتيب أمراً ممكناً، بدليل أن الأجسام لما كانت متساوية في الطبيعة الجسمية، فكل ما صحّ على بعضها صح على كلها، فكان اختصاصه بذلك الحيز والترتيب أمراً ممكناً.
والسابع : وهو أن لحركة كل فلك أولاً، لأن وجو، حركة لا أول لها محال.
لأن حقيقة الحركة انتقال من حالة إلى حالة.
وهذا الانتقال يقتضي كونها مسبوقة بالغير.
والأول ينافي المسبوقية بالغير، والجمع بينهما محال.


الصفحة التالية
Icon