فثبت أن لكل حركة أولاً، واختصاص ابتداء حدوثه بذلك الوقت، دون ما قبله وما بعده اختصاص بأمر ممكن.
والثامن : هو أن الأجسام، لما كانت متساوية في تمام الماهية كان اتصاف بعضها بالفلكية وبعضها بالعنصرية دون العكس، اختصاصاً بأمر ممكن.
والتاسع : وهو أن حركاتها فعل لفاعل مختار، ومتى كان كذلك فلها أول.
بيان المقام الأول أن المؤثر فيها لو كان علة موجبة بالذات لزم من دوام تلك العلة دوام آثارها، فيلزم من دوام تلك العلة، دوام كل واحد من الأجزاء المتقومة في هذه الحركة.
ولما كان ذلك محالاً ثبت أن المؤثر فيها ليس علة موجبة بالذات، بل فاعلاً مختاراً.
وإذا كان كذلك، وجب كون ذلك الفاعل متقدماً على هذه الحركات، وذلك يوجب أن يكون لها بداية.
العاشر : أنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له بدليل أنا نعلم بالضرورة أنا لو فرضنا أنفسنا واقفين على طرف الفلك الأعلى فإنا نميز بين الجهة التي تلي قدامنا وبين الجهة التي تلي خلفنا، وثبوت هذا الامتياز معلوم بالضرورة.
وإذا كان كذلك ثبت أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له، وإذا كان كذلك فحصول هذا العالم في هذا الحيز الذي حصل فيه دون سائر الأحياز أمر ممكن، فثبت بهذه الوجوه العشرة : أن أجرام السموات والأرضين مختلفة بصفات وأحوال، فكان يجوز في العقل حصول أضدادها ومقابلاتها، فوجب أن لا يحصل هذا الاختصاص الخاص إلا لمرجح ومقدر وإلا فقد ترجح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال.
وإذا ثبت هذا فنقول : إنه لا معنى للخلق إلا التقدير.
فلما دل العقل على حصول التقدير من هذه الوجوه العشرة، وجب حصول الخلق من هذه الوجوه العشرة.
فلهذا المعنى.
قال :﴿الحمد للَّهِ الذى خَلَقَ السموات والأرض﴾ والله أعلم، ومن الناس من قال المقصود من ذكر السموات والأرض والظلمات والنور التنبيه على ما فيها من المنافع.


الصفحة التالية
Icon