واعلم أن منافع السموات أكثر من أن تحيط بجزء من أجزائها المجلدات، وذلك لأن السموات بالنسبة إلى مواليد هذا العالم جارية مجرى الأب والأرض بالنسبة إليها جارية مجرى الأم فالعلل الفاعلة سماوية والعلل القابلة أرضية وبها يتم أمر المواليد الثلاثة.
والاستقصاء في شرح ذلك لا سبيل له. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٢٣ ـ ١٢٥﴾
قوله تعالى ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾

فصل


قال الفخر :
لفظ ﴿جَعَلَ﴾ يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله تعالى :﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله ﴿وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا﴾ [ الزخرف : ١٩ ] والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التضمين والتصيير كإنشاء شيء من شيء، وتصيير شيء شيئاً، ومنه : قوله تعالى :﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ] وقوله ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وقوله ﴿أَجَعَلَ الألهة إلها واحدا﴾ [ ص : ٥ ] وإنما حسن لفظ الجعل ههنا لأن النور والظلمة لما تعاقبا صار كأنه كل واحد منهما إنما تولد من الآخر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٢٥﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾ أشار في "الكشاف" أنّ ( جعلَ ) إذا تعدّى إلى مفعول واحد فهو بمعنى أحدث وأنشأ فيقارب مرادفة معنى ( خلق ).
والفرق بينه وبين ( خلق ) ؛ فإنّ في الخلق ملاحظة معنى التقدير، وفي الجعل ملاحظة معنى الانتساب، يعني كون المجعول مخلوقاً لأجل غيره أو منتسباً إلى غيره، فيعْرف المنتسب إليه بمعونة المقام.
فالظلمات والنور لمّا كانا عرضين كان خلقهما تكويناً لتُكيَّف موجودات السماوات والأرض بهما.


الصفحة التالية
Icon