ثم قال :﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ قال الواحدي : يقال لبست الأمر على القوم ألبسه لبساً إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلاً، وأصله من التستر بالثوب، ومنه لبس الثوب لأنه يفيد ستر النفس والمعنى أنا إذا جعلنا الملك في صورة البشر فهم يظنون كون ذلك الملك بشراً فيعود سؤالهم أنا لا نرضى برسالة هذا الشخص.
وتحقيق الكلام أن الله لو فعل ذلك لصار فعل الله نظيراً لفعلهم في التلبيس، وإنما كان ذلك تلبيساً لأن الناس يظنون أنه بشر مع أنه ليس كذلك، وإنما كان فعلهم تلبيساً لأنهم يقولون للقومهم إنه بشر مثلكم والبشر لا يكون رسولاً من عند الله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٤﴾
وقال الثعلبى :
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً ﴾ يعني ولو أرسلنا إليهم ملكاً ﴿ لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾ يعني في صورة رجل آدمي لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ﴿ وَلَلَبَسْنَا ﴾ ولشبهنا وخلطنا ﴿ عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ يخلطون ويشبهون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدرى أملك هو أم آدمي.
وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس : هم أهل الكتاب فرقوا دينهم وكذبوا رسلهم وهو تحريف الكلام عن مواضعه فلبس اللّه عليهم ما لبسوا على أنفسهم.
وقال قتادة : ما لبس قوم على أنفسهم إلاّ لبس الله عليهم.
وقرأ الأزهري : وللبسنا بالتشديد على التكرير يقال : ألبست العرب ألبسه لبساً وإلتبس عليهم الأمر ألبسه لبساً. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال السمرقندى :
﴿ وَلَوْ جعلناه مَلَكاً ﴾ يعني : لو أنزلنا ملكاً بالنبوة ﴿ لجعلناه رَجُلاً ﴾ يعني : لأنزلناه على شبه رجل، على صورة آدمي.
ألا ترى أنهم حين جاؤوا إلى إبراهيم عليه السلام جاؤوا على صورة الضيفان.
وعلى داود عليه السلام مثل خصمين.
وكان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله ﷺ على صورة دحية الكلبي.


الصفحة التالية
Icon