ويحتمل أن يكون المعنى للبسنا عليهم حينئذ ما يلبسون على أنفسهم الساعة في تكذيبهم النبي ﷺ ونسبة آياته البينات إلى السحر، و﴿ مَا ﴾ على ما اختاره في "الكشف" على الأول موصولة وعلى الثاني يجوز أن تكون مصدرية وهو الأظهر لاستمرار حذف المثل في نحو ضربت ضرب الأمير، وأن تكون موصولة أي مثل الذي يلبسونه.
ومتعلق ﴿ يَلْبِسُونَ ﴾ على الوجهين على أنفسهم.
ويفهم من كلام الزجاج أنه على ضعفائهم حيث قال : كانوا يلبسون على ضعفائهم في أمر النبي ﷺ فيقولون : إنما هذا بشر مثلكم فأخبر سبحانه وتعالى أنه لو جعلنا المرسل إليهم ملكاً لأريناهم إياه في صورة الرجل وحينئذ يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفاءهم منه.
وقرأ ابن محيصن ﴿ ولبسنا ﴾ بلام واحدة والزهري ﴿ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ بالتشديد، هذا وقد ذكر الإمام الرازي في بيان وجه الحكمة في جعل الملك على تقدير إنزاله في صورة البشر أموراً.
"الأول : أن الجنس إلى الجنس أميل.
الثاني : أن البشر لا يطيق رؤية الملك.
الثالث : أن طاعات الملك قوية فيستحقرون طاعات البشر وربما لا يعذرونهم في الإقدام على المعاصي.
الرابع : أن النبوة فضل من الله تعالى فيختص بها من يشاء من عباده سواء كان ملكاً أو بشراً".
ولا يخفى أنه يرد على الوجه الثالث أنه إنما يتم إذا تبدلت حقيقة الملك المقدر نزوله بحقيقة البشر وهو مع كونه من انقلاب الحقائق خلاف ما يفهم من كتب أئمة التفسير من أن التبدل صوري لا حقيقي، وأن الوجه الرابع لا يظهر وجه كونه حكمة لتصوير الملك بصورة البشر.