وقول العلائي : لعل وجهه أن المصور الذي قدر كونه نبياً لما اشتمل على جهتين البشرية صورة والملكية حقيقة لم يبعد أن يكون دليلاً على أن النبوة فضل من الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده سواء كان ملكاً كهذا المصور باعتبار حقيقته أو بشرا مثله باعتبار صورته مما لا يتبلج له وجه القبول. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً ﴾ عطف على قوله :﴿ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ﴾ فهو جواب ثان عن مقترحهم، فيه ارتقاء في الجواب، وذلك أنّ مقترحهم يستلزم الاستغناء عن بعثة رسول من البشر لأنّه إذا كانت دعوة الرسول البشري غير مقبولة عندهم إلاّ إذا قارنه ملك يكون معه نذيراً كما قالوه وحكي عنهم في غير هذه الآية، فقد صار مجيء رسول بشري إليهم غير مجد للاستغناء عنه بالملك الذي يصاحبه، على أنّهم صرّحوا بهذا اللازم فيما حكي عنهم في غير هذه الآية، وهو قوله تعالى :﴿ قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة ﴾، فجاء هذا الجواب الثاني صالحاً لردّ الاقتراحين، ولكنّه رُوعي في تركيب ألفاظه ما يناسب المعنى الثاني لكلامهم فجيء بفعل ﴿ جعلنا ﴾ المقتي تصيير شيء آخر أو تعويضه به.
فضمير ﴿ جعلناه ﴾ عائد إلى الرسول الذي عاد إليه ضمير ﴿ لولا أنزل عليه ملك ﴾، أي ولو اكتفينا عن إرسال رسول من نوع البشر وجعلنا الرسول إليهم ملكاً لتعيّن أن نصّور ذلك الملك بصورة رجل، لأنّه لا محيد عن تشكّله بشكل لتمكّن إحاطة أبصارهم به وتحيّزه فإذا تشكّل فإنّما يتشكّل في صورة رجل ليطيقوا رؤيته وخطابه، وحينئذٍ يلتبس عليهم أمره كما التبس عليهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم
فجملة ﴿ ولبسنا عليهم ما يلبسون ﴾ من تمام الدليل والحجّة عليهم بعدم جدوى إرسال الملك.
واللّبس : خلط يعرض في الصفات والمعاني بحيث يعسر تمييز بعضها عن بعض.