فكأنه قيل له إن هذه الأنواع الكثيرة من سوء الأدب التي يعاملونك بها قد كانت موجودة في سائر القرون مع أنبيائهم، فلست أنت فريداً في هذا الطريق.
وقوله ﴿فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ﴾ الآية ونظيره قوله ﴿وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ [ فاطر : ٤٣ ] وفي تفسيره وجوه كثيرة لأهل اللغة وهي بأسرها متقاربة.
قال النضر : وجب عليهم.
قال الليث ( الحيق ) ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء يعمله فنزل ذلك به، يقول أحاق الله بهم مكرهم وحاق بهم مكرهم، وقال الفرّاء ( حاق بهم ) عاد عليهم، وقيل ( حاق بهم ) حل بهم ذلك.
وقال الزجاج "حاق" أي أحاط.
قال الأزهري : فسّر الزجاج ( حاق ) بمعنى أحاط وكان مأخذه من الحوق وهو ما استدار بالكمرة.
وفي الآية بحث آخر وهو أن لفظة ( ما ) في قوله ﴿مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ فيها قولان : الأول : أن المراد به القرآن والشرع وهو ما جاء به محمد عليه السلام.
وعلى هذا التقدير فتصير هذه الآية من باب حذف المضاف، والتقدير فحاق بهم عقاب ما كانوا به يستهزؤن.
والقول الثاني : أن المراد به أنهم كانوا يستهزؤن بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى هذا الإضمار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٥﴾
وقال أبو حيان :
﴿ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ ﴾
هذه تسلية لرسول الله ﷺ على ما كان يلقى من قومه وتأسّ بمن سبق من الرسل وهو نظير وإن يكذبوك فقد كذب رسل من قبلك لأن ما كان مشتركاً من ما لا يليق أهون على النفس مما يكون فيه الانفراد وفي التسلية والتأسي من التخفيف ما لا يخفى.
وقالت الخنساء :
ولولا كثرة الباكين حولي...
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن...
أسلي النفس عنه بالتأسي
وقال بعض المولدين :
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة...
يواسيك أو يسليك أو يتوجع


الصفحة التالية
Icon