ولما كان الكفار لا ينفعهم الاشتراك في العذاب ولا يتسلون بذلك، نفى ذلك تعالى عنهم فقال :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ﴾ قيل : كان قوم يقولون : يجب أن يكون ملكاً من الملائكة على سبيل الاستهزاء، فيضيق قلب الرسول عند سماع ذلك فسلاه الله تعالى بإخباره أنه قد سبق للرسل قبلك استهزاء قومهم بهم ليكون سبباً للتخفيف عن القلب، وفي قوله تعالى :﴿ فحاق ﴾ إلى آخره، إخبار بما جرى للمستهزئين بالرسل قبلك ووعيد متيقن لمن استهزأ بالرسول عليه السلام وتثبيت للرسول على عدم اكتراثه بهم، لأن مآلهم إلى التلف والعقاب الشديد المرتب على الاستهزاء، وأنه تعالى يكفيه شرهم وإذايتهم كما قال تعالى :﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ ومعنى ﴿ سخروا ﴾ استهزؤوا إلا أن استهزأ تعدّى بالباء وسخر بمن كما قال :﴿ إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ﴾ وبالباء تقول : سخرت به وتكرر الفعل هنا لخفة الثلاثي ولم يتكرر في ﴿ ولقد استهزئ ﴾ فكان يكون التركيب، ﴿ فحاق بالذين ﴾ استهزؤوا بهم لثقل استفعل، والظاهر في ﴿ ما ﴾ أن تكون بمعنى الذي وجوّزوا أن تكون ﴿ ما ﴾ مصدرية، والظاهر أن الضمير في ﴿ منهم ﴾ عائد على الرسل، أي ﴿ فحاق بالذين سخروا ﴾ من الرسل وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون عائداً على غير الرسل.
قال الحوفي : في أمم الرسل.
وقال أبو البقاء : على المستهزئين، ويكون ﴿ منهم ﴾ حالاً من ضمير الفاعل في ﴿ سخروا ﴾ وما قالاه وجوزاه ليس بجيد، أما قول الحوفي فإن الضمير يعود على غير مذكور وهو خلاف الأصل، وأما قول أبي البقاء فهو أبعد لأنه يصير المعنى :﴿ فحاق بالذين سخروا ﴾ كائنين من المستهزئين فلا حاجة لهذه الحال لأنها مفهومة من قوله ﴿ سخروا ﴾ وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة بكسر دال ﴿ ولقد استهزئ ﴾ على أصل التقاء الساكنين.


الصفحة التالية
Icon