والاعتراض عليه بأنه لا قرينة على أن المراد بالمستهزأ به هو العذاب بل السياق دليل على أن المستهزأ بهم الرسل عليهم الصلاة والسلام يدفعه أن الاستهزاء بالرسل عليهم الصلاة والسلام مستلزم لاستهزائهم بما جاؤوا به وتوعدوا قومهم بنزوله وان مثله لظهوره لا يحتاج إلى قرينة.
ومن الناس من زعم أن ﴿ نَخْسِفْ بِهِمُ ﴾ كناية عن إهلاكهم وإسناده إلى ما أسند إليه مجاز عقلي من قبيل أقدمني بلدك حق لي على فلان إذ من المعلوم من مذهب أهل الحق أن المهلك ليس إلا الله تعالى فإسناده إلى غيره لا يكون إلا مجازاً وأنت تعلم أن الحيق الإحاطة ونسبتها إلى العذاب لا شبهة في أنها حقيقة ولا داعي إلى تفسيره بالإهلاك وارتكاب المجاز العقلي، ولعل مراد من فسر بذلك بيان مؤدى الكلام ومجموع معناه.
نعم إذا قلنا : إن الإحاطة إنما تكون للأجسام دون المعاني فلا بد من ارتكاب تجوز في الكلام على تقدير إسنادها إلى العذاب لكن لا على الوجه الذي ذكره هذا الزاعم كما لا يخفى.
وفي جمع "كانوا ويستهزؤون" ما مر غير مرة في أمثاله.
و﴿ بِهِ ﴾ متعلق بما بعده وتقديمه لرعاية الفواصل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ ﴾
عطف على جملة :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ﴾ لبيان تفنّنهم في المكابرة والعناد تصلّباً في شركهم وإصراراً عليه، فلا يتركون وسيلة من وسائل التنفير من قبول دعوة الإسلام إلاّ توسّلوا بها.
ومناسبة عطف هذا الكلام على قوله :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ﴾ أنّهم كانوا في قولهم ذلك قاصدين التعجيز والاستهزاء معاً، لأنّهم ما قالوه ألاّ عن يقين منهم أنّ ذلك لا يكون، فابتدىء الردّ عليهم بإبطال ظاهر كلامهم بقوله :﴿ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ﴾.
ثم ثنّى بتهديدهم على ما أرادوه من الاستهزاء، والمقصود مع ذلك تهديدهم بأنّهم سيحيق بهم العذاب وأنّ ذلك سنة الله في كلّ أمّة استهزأت برسول له.


الصفحة التالية
Icon