فقوله :﴿ ولقد استهزىء برسل من قبلك ﴾ يدلّ على جملة مطوية إيجازاً، تقديرها : واستهزأوا بك ولقد استهزأ أمم برسل من قبلك، لأنّ قوله من ﴿ قبلك ﴾، لأنّ قوله من ﴿ قبلك ﴾ يؤذن بأنّه قد استهزىء به هو أيضاً وإلاّ لم تكن فائدة في وصف الرسل بأنّهم من قبله لأنّ ذلك معلوم.
وحُذف فاعل الاستهزاء فبنى الفعل إلى المجهول لأنّ المقصود هنا هو ترتّب أثر الاستهزاء لا تعيين المستهزئين.
واللام للقسم، و﴿ قد ﴾ للتحقيق، وكلاهما يدلّ على تأكيد الخبر.
والمقصود تأكيده باعتبار ما تفرّع عنه، وهو قوله :﴿ فحاق بالذين سخروا ﴾ الخ، لأنّ حال المشركين حال من يتردّد في أنّ سبب هلاك الأمم السالفة هو الاستهزاء بالرسل، إذ لولا تردّدهم في ذلك لأخذوا الحيطة لأنفسهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي جاءهم فنظروا في دلائل صدقه وما أعرضوا، ليستبرئوا لأنفسهم من عذاب متوقّع، أو نزّلوا منزلة المتردّد إن كانوا يعلمون ذلك لعدم جريهم على موجب علمهم.
واستهزاؤهم له أفانين، منها قولهم :﴿ لولا أنزل عليه ملك ﴾.
ومعنى الاستهزاء تقدّم عند قوله تعالى :﴿ إنّما نحن مستهزئون في سورة البقرة.
وهو مرادف للسخرية في كلام أئمّة اللغة، فذكر استهزىء ﴾ أولاً لأنّه أشهر، ولمّا أعيد عبّر بـ ﴿ سخروا ﴾، ولمّا أعيد ثالث مرّة رّجع إلى فعل ﴿ يستهزئون ﴾، لأنّه أخفّ من ( يسخرون ).
وهذا من بديع فصاحة القرآن المعجزة.
و﴿ سخروا ﴾ بمعنى هزأوا، ويتعدّى إلى المفعول بـ ﴿ من ﴾، قيل : لا يتعدّى بغيرها.
وقيل : يتعدّى بالباء.
وكذا الخلاف في تعدية هزأ واستهزأ.
والأصحّ أنّ كلا الفعلين يتعدّى بحرف ( من ) والباء، وأنّ الغالب في ( هزأ ) أن يتعدّى بالباء، وفي ﴿ سخر ﴾ أن يتعدّى بـ ﴿ من ﴾.