فإن قيل : ما الفرق بين قوله ﴿الأرض فانظروا﴾ [ آل عمران : ١٣٧ ] وبين قوله ﴿ثُمَّ انظروا ﴾.
قلنا : قوله ﴿فانظروا﴾ يدل على أنه تعالى جعل النظر سبباً عن السير، فكأنه قيل : سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين.
وأما قوله ﴿سِيرُواْ فِى الأرض ثُمَّ انظروا﴾ فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ثم نبّه الله تعالى على هذا الفرق بكلمة ﴿ثُمَّ﴾ لتباعد ما بين الواجب والمباح. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٥ ـ ١٣٦﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين المستسخرين المكذبين : سافروا في الأرض فانظروا واستخبروا لتعرفوا ما حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب ؛ وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأُمم وأهل الديار، والعاقبة آخر الأمر.
والمكذِّبون هنا من كذّب الحق وأهله لا من كذّب بالباطل. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾
لما ذكر تعالى ما حل بالمكذبين المستهزئين وكان المخاطبون بذلك أمّة أمّية، لم تدرس الكتب ولم تجالس العلماء فلها أن تظافر في الإخبار بهلاك من أهلك بذنوبهم أمروا بالسير في الأرض، والنظر فيما حل بالمكذبين ليعتبروا بذلك وتتظافر مع الأخبار الصادق الحس فللرؤية من مزيد الاعتبار ما لا يكون كما قال بعض العصريين :
لطائف معنى في العيان ولم تكن...
لتدرك إلا بالتزاور واللقا
والظاهر أن السير المأمور به، هو الانتقال من مكان إلى مكان وإن النظر المأمور به، هو نظر العين وإن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود.


الصفحة التالية
Icon