وقال قوم : السير والنظر هنا ليسا حسيين بل هما جولان الفكر والعقل في أحوال من مضى من الأمم التي كذبت رسلها، ولذلك قال الحسن : سيروا في الأرض لقراءة القرآن أي : اقرؤوا القرآن وانظروا ما آل إليه أمر المكذبين، واستعارة السير ﴿ في الأرض ﴾ لقراءة القرآن فيه بعد، وقال قوم :﴿ الأرض ﴾ هنا عام، لأن في كل قطر منها آثاراً لهالكين وعبراً للناظرين وجاء هنا خاصة ﴿ ثم انظروا ﴾ بحرف المهلة وفيما سوى ذلك بالفاء التي هي للتعقيب.
وقال الزمخشري : في الفرق جعل النظر متسبباً عن السير فكان السير سبباً للنظر، ثم قال : فكأنه قيل :﴿ سيروا ﴾ لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين، وهنا معناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ونبه على ذلك ب ﴿ ثم ﴾ لتباعد ما بين الواجب والمباح، انتهى.
وما ذكره أولاً متناقض لأنه جعل النظر متسبباً عن السير، فكان السير سبباً للنظر ثم قال : فكأنما قيل :﴿ سيروا ﴾ لأجل النظر فجعل السير معلولاً بالنظر فالنظر سبب له فتناقضا، ودعوى أن الفاء تكون سببية لا دليل عليها وإنما معناها التعقيب فقط وأما مثل ضربت زيداً فبكى وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فهم من مضمون الجملة لأن الفاء موضوعة له وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء وتعقيب الزنا بالرجم فقط، وعلى تسليم أن الفاء تفيد التسبيب فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير واجب؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع وبين تلك المواضع. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾
خطاب لسيد المخاطبين ﷺ بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوال الأمم الخالية وما حاق بهم لسوء أفعالهم تخذيراً لهم عما هم عليه مما يحاكي تلك الأفعال.


الصفحة التالية