﴿ فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ﴾ هذا يدل على أنهم وقع منهم الاستهزاء، فيكون في الكلام معطوف محذوف دل عليه آخر الآية وتقديره واستهزؤوا به، ﴿ فسوف يأتيهم ﴾ وهذه رتب ثلاث صدرت من هؤلاء الكفار، الإعراض عن تأمل الدلائل ثم أعقب الإعراض التكذيب، وهو أزيد من الإعراض إذ المُعْرِض قد يكون غافلاً عن الشيء ثم أعقب التكذيب الاستهزاء، وهو أزيد من التكذيب إذ المكذب قد لا يبلغ إلى حدّ الاستهزاء وهذه هي المبالغة في الإنكار، والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه وفي الكلام حذف مضاف أي :﴿ فسوف يأتيهم ﴾ مضمن ﴿ أنباء ﴾ فقال قوم : المراد ما عذبوا به في الدنيا من القتل والسبي والنهب والإجلاء وغير ذلك، وخصص بعضهم ذلك بيوم بدر.
وقيل : هو عذاب الآخرة، وتضمنت هذه الجملة التهديد والزجر والوعيد كما تقول : اصنع ما تشاء فسيأتيك الخبر، وعلق التهديد بالاستهزاء دون الإعراض والتكذيب لتضمنه إياهما، إذ هو الغاية القصوى في إنكار الحق.
وقال الزمخشري : وهو القرآن أي أخباره وأحواله بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته ؛ انتهى.
وهو على عادته في الإسهاب وشرح اللفظ والمعنى مما لا يدلان عليه، وجاء هنا تقييد الكذب بالحق والتنفيس ب ﴿ سوف ﴾ وفي الشعراء ﴿ فقد كذبوا فسيأتيهم ﴾ لأن الأنعام متقدمة في النزول على الشعراء، فاستوفى فيها اللفظ وحذف من الشعراء وهو مراداً حالة على الأول وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس، فجاء بالسين والظاهر أن ما في قوله :﴿ ما كانوا ﴾ موصولة اسمية بمعنى الذي والضمير في ﴿ به ﴾ عائد عليها.