وقال ابن عطية : يصح أن تكون مصدرية التقدير ﴿ أنباء ﴾ كونهم مستهزئين فعلى هذا يكون الضمير في ﴿ به ﴾ عائداً على الحق لا على مذهب الأخفش حيث زعم أن ﴿ ما ﴾ المصدرية اسم لا حرف، ولا ضرورة تدعو إلى كونها مصدرية. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾
إن الحق عبارة عن القرآن الذي أعرضوا عنه حين أعرضوا عن كل آية آية منه.
وعبر عنه بذلك إظهاراً لكمال فظاعة ما فعلوا به.
والفاء على تقدير أن يراد بالآيات الآيات التنزيلية كما هو الأظهر على ما قرره مولانا شيخ الإسلام لترتيب ما بعدها على ما قبلها لا باعتبار أنه مغاير له حقيقة واقع عقيبه أو حاصل بسببه بل على أنه عينه في الحقيقة والترتيب بحسب التغاير الاعتباري حيث إن مفهوم التكذيب بالحق أشنع من الإعراض المذكور إذ هو مما لا يتصور صدوره من أحد.
ولذلك أخرج مخرج اللازم البين البطلان وترتب عليه بالفاء إظهاراً لغاية بطلانه.
ثم قيد ذلك بكونه بلا تأمل ( بل آن المجيء ) تأكيداً لشناعة فعلهم الفظيع.
وعلى تقدير أن يراد الآيات التكوينية داخلة على جواب شرط محذوف.
والمعنى على الأول : حيث أعرضوا عن تلك الآيات حين إتيانها فقد كذبوا بما لا يمكن لعاقل تكذيبه أصلاً من غير أن يتدبروا في حاله ومآله ويقفوا على ما في تضاعيفه من الشواهد الموجبة لتصديقه.
وعلى الثاني : أنهم إن كانوا معرضين عن الآيات حال إتيانها فلا تعجب من ذلك فقد فعلوا بما هو أعظم منها ما هو أعظم من الإعراض حيث كذبوا بالحق الذي هو أعظم الآيات.
واختار في "البحر" كون الفاء سببية وما بعدها مسبب عما قبلها.