ولما كان الإنسان ربما أبقى على عبده أو صاحبه خوفاً من الاحتياج إلى مثله، بين أنه سبحانه غير محتاج إلى شيء فقال :﴿وأنشأنا﴾ ولما كان سبحانه لم يجعل لأحد الخلد، أدخل الجار فقال :﴿من بعدهم﴾ أي فيما كانوا فيه ﴿قرناً﴾ ودل على أنه لم يُبق من المهلكين أحداً، وأن هذا القرن الثاني لا يرجع إليهم بنسب بقوله :﴿آخرين﴾ ولم ينقص ملكُنا شيئاً، فاحذروا أن نفعل بكم كما فعلنا بهم، وهذه الآية مثل آية الروم ﴿أو لم يسيروا في الأرض﴾ [ الروم : ٩ ] - الآية، فتمكينهم هو المراد بالشدة هناك، والتمكين لهم هو المراد بالعمارة، والإهلاكُ بالذنوب هو المراد بقوله ﴿فما كان الله ليظلمهم﴾ [ الروم : ٩ ] و[ التوبة : ٧٠ ] - إلى آخر الآيتين. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٨٩ ـ ٥٩٠﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن الله تعالى لما منعهم عن ذلك الإعراض والتكذيب والاستهزاء بالتهديد والوعيد أتبعه بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة في هذا الباب فوعظهم بسائر القرون الماضية، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم.
فإن قيل : ما القرن ؟ قلنا قال الواحدي : القرن القوم المقترنون في زمان من الدهر فالمدة التي يجتمع فيها قوم ثم يفترقون بالموت فهي قرن، لأن الذين يأتون بعدهم أقوام آخرون اقترنوا فهم قرن آخر، والدليل عليه قوله عليه السلام :" خير القرون قرني " واشتقاقه من الأقران، ولما كان أعمار الناس في الأكثر الستين والسبعين والثمانين لا جرم قال بعضهم : القرن هو الستون، وقال آخرون : هو السبعون، وقال قوم هو الثمانون والأقرب أنه غير مقدر بزمان معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر فإذا انقضى منهم الأكثر قيل قد انقضى القرن.
واعلم أن الله تعالى وصف القرون الماضية بثلاثة أنواع من الصفات :


الصفحة التالية
Icon