الصفة الأولى : قوله ﴿مكناهم فِى الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ﴾ قال صاحب "الكشاف" مكن له في الأرض جعل له مكاناً ونحوه في أرض له ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض﴾ [ الكهف : ٨٤ ] ﴿أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ﴾ [ القصص : ٥٧ ] وأما مكنته في الأرض، فمعناه أثبته فيها ومنه قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ﴾ [ الأحقاف : ٢٦ ] ولتقارب المعنيين جمع الله بينهما في قوله ﴿مكناهم فِى الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ﴾ والمعنى لم نعط أهل مكة مثل ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا.
والصفة الثانية : قوله :﴿وَأَرْسَلْنَا السماء عَلَيْهِم مِدْرَاراً﴾ يريد الغيث والمطر، فالسماء معناه المطر ههنا، والمدرار الكثير الدر وأصله من قولهم در اللبن إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السحاب، ويجوز أن يكون من نعت المطر يقال سحاب مدرار إذا تتابع أمطاره.
ومفعال يجيء في نعت يراد المبالغة فيه.
قال مقاتل ﴿مِدْرَاراً﴾ متتابعاً مرة بعد أخرى ويستوي في المدرار المذكر والمؤنث.
والصفة الثالثة : قوله ﴿وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ﴾ والمراد منه كثرة البساتين.
واعلم أن المقصود من هذه الأوصاف أنهم وجدوا من منافع الدنيا أكثر مما وجده أهل مكة، ثم بيّن تعالى أنهم مع مزيد العز في الدنيا بهذه الوجوه ومع كثرة العدد والبسطة في المال والجسم جرى عليهم عند الكفر ما سمعتم وهذا المعنى يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣١ ـ ١٣٢﴾