الاستعمالُ بكلَ منهما فقيل : تارةً مكّنه في الأرض، ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ ﴾ وأخرى مكّن له في الأرض ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض ﴾ حتى أُجرِيَ كلٌّ منهما مُجرَى الآخرَ.
ومنه قوله تعالى :﴿ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ مكناهم فِى الأرض ﴾، كأنه قيل في الأول : مكنا لهم، وفي الثاني : ما لم نمكنْكم. و( ما ) نكرةٌ موصوفةٌ بما بعدها من الجملة المنفية، والعائد محذوف، محلُها النصبُ على المصدرية، أي مكناهم تمكيناً لم نمكنْه لكم، والالتفاتُ لما في مواجهتهم بضَعف الحال مزيدُ بيانٍ لشأن الفريقين، ولدفعِ الاشتباه من أول الأمر عن مرجِعَي الضميرين ﴿ وَأَرْسَلْنَا السماء ﴾ أي المطرَ أو السحابَ أو الظلة لأنها مبدأ المطر ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ متعلق بأرسلنا ﴿ مُّدْرَاراً ﴾ أي مِغزاراً حال من السماء ﴿ وَجَعَلْنَا الأنهار ﴾ أي صيّرناها فقوله تعالى :﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ﴾ مفعولٌ ثانٍ لجعلنا، أو أنشأناها فهو حال من مفعوله، و( من تحتهم ) متعلق بتجري وفيه من الدلالة على كونها مسخّرةً لهم مستمرةً على الجريان على الوجه المذكور ما ليس في أن يقالَ : وأجرينا الأنهارَ من تحتهم، وليس المرادُ بتَعدادِ هاتيك النعم العظامِ الفائضةِ عليهم بعد ذكر تمكينهم بيانَ عِظَم جنايتهم في كفرانها واستحقاقَهم بذلك لأعظم العقوبات بل بيانَ حيازتهم لجميع أسباب نيل المآرب ومبادِي الأمن والنجاة من المكاره والمعاطب، وعدمَ إغناءِ ذلك عنهم شيئاً.


الصفحة التالية
Icon