وقيل : السحاب واستعمالها في ذلك مجاز مرسل.
وقيل : هي على حقيقتها بمعنى المظلة والمجاز في إسناد الإرسال إليها لأن المرسل ماء المطر وهي مبدأ له، وفيه من المبالغة ما لا يخفى.
"والإرسال والإنزال كما في "البحر" متقاربان في المعنى لأن اشتقاقه من رسل اللبن وهو ما ينزل من الضرع متتابعاً" ﴿ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً ﴾ أي غزيراً كثير الصب، وهو صيغة مبالغة يستوي فيه المذكر والمؤنث، وهو حال من السماء والظرف متعلق بأرسلنا ﴿ وَجَعَلْنَا الأنهار ﴾ أي صيرناها ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ﴾ أي من تحت مساكنهم.
والمراد أنهم عاشوا في الخصب والريف بين الأنهار والثمار.
والجملة في موضع المفعول الثاني لجعلنا.
ولم يقل سبحانه : أجرينا الأنهار كما قال عز شأنه :﴿ أَرْسَلْنَا السماء ﴾ للإيذان بكونها مسخرة مستمرة الجريان لا لأن النهر لا يكون إلا جارياً فلا يفيد الكلام لأن النظم حينئذ ناظر إلى كونها من تحتهم فالفائدة ظاهرة، ولو كان ما ذكر صحيحاً لما ورد في النظم الكريم كقوله تعالى :
﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ [ المائدة : ١١٩ ] واستظهر كون الجعل بمعنى الإنشاء والإيجاد وهو مخصوص به تعالى فلذا غير الأسلوب، وعليه فالجملة في موضع الحال من المفعول.
وليس المراد على ما قيل بتعداد هاتيك النعم العظام الفائضة عليهم بعد ذكر تمكينهم بيان عظم جنايتهم في كفرانها واستحقاقهم بذلك لأعظم العقوبات بل بيان حيازتهم لجميع أسباب نيل المآرب ومبادىء الأمن من المكاره والمعاطب وعدم إغناء ذلك عنهم شيئاً.
وينبىء عن عدم الإغناء عند جمهور المفسرين.