قال الفخر :
المشبهة استدلوا بهذه الآية على أنه تعالى موجود في الجهة التي هي فوق العالم وهو مردود ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه لو كان موجوداً فوق العالم لكان إما أن يكون في الصغر بحيث لا يتميز جانب منه من جانب وإما أن يكون ذاهباً في الأقطار متمدداً في الجهات.
والأول : يقتضي أن يكون في الصغر والحقارة كالجوهر الفرد فلو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إله العالم بعض الذرات المخلوطة بالهبات الواقعة في كوة البيت وذلك لا يقوله عاقل، وإن كان الثاني كان متبعضاً متجزئاً، وذلك على الله محال.
والثاني : أنه إما أن يكون غير متناه من كل الجوانب فيلزم كونه ذاته مخالطاً للقاذورات وهو باطل أو يكون متناهياً من كل الجهات وحينئذ يصح عليه الزيادة والنقصان.
وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بمقداره المعين لتخصيص مخصص، فيكون محدثاً أو يكون متناهياً من بعض الجوانب دون البعض، فيكون الجانب الموصوف بكونه متناهياً غير الجانب الموصوف بكونه غير متناه وذلك يوجب القسمة والتجزئة.
والثالث : إما أن يفسر المكان بالسطح الحاوي أو بالبعد والخلاء.
فإن كان الأول : فنقول أجسام العالم متناهية فخارج العالم لا خلا ولا ملا ولا مكان ولا حيث ولا جهة، فيمتنع حصول ذات الله تعالى فيه.
وإن كان الثاني فنقول الخلاء متساوي الأجزاء في حقيقته وإذا كان كذلك، فلو صحّ حصول الله في جزء من أجزاء ذلك الخلاء لصح حصوله في سائر الأجزاء، ولو كان كذلك لكان حصوله فيه بتخصيص مخصص، وكل ما كان واقعاً بالفاعل المختار فهو محدث، فحصول ذاته في الجزء محدث.
وذاته لا تنفك عن ذلك الحصول وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، فيلزم كون ذاته محدثة وهو محال.
والرابع أن البعد والخلاء أمر قابل للقسمة والتجزئة، وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته ومفتقر إلى الموجد ويكون موجده موجوداً قبله فيكون ذات الله تعالى قد كانت موجودة قبل وجود الخلاء والجهة والحيث والحيز.