وإذا ثبت هذا : فبعد الحيز والجهة والخلاء وجب أن تبقى ذات الله تعالى كما كانت وإلا فقد وقع التغيير في ذات الله تعالى وذلك محال.
وإذا ثبت هذا وجب القول بكونه منزهاً عن الأحياز والجهات في جميع الأوقات.
والخامس : أنه ثبت أن العالم كرة.
وإذا ثبت هذا فالذي يكون فوق رؤوس أهل الري يكون تحت أقدام قوم آخرين.
وإذا ثبت هذا، فإما أن يقال : إنه تعالى فوق أقوام بأعيانهم.
أو يقال : إنه تعالى فوق الكل.
والأول : باطل، لأن كونه فوقاً لبعضهم يوجب كونه تحتاً لآخرين، وذلك باطل.
والثاني : يوجب كونه تعالى محيطاً بكرة الفلك فيصير حاصل الأمر إلى أن إله العالم هو فلك محيط بجميع الأفلاك وذلك لا يقوله مسلم.
والسادس : هو أن لفظ الفوقية في هذه الآية مسبوق بلفظ وملحوق بلفظ آخر.
أما أنها مسبوقة فلأنها مسبوقة بلفظ القاهر، والقاهر مشعر بكمال القدرة وتمام المكنة.
وأما أنها ملحوقة بلفظ فلأنها ملحوقة بقوله ﴿عِبَادِهِ﴾ وهذا اللفظ مشعر بالمملوكية والمقدورية، فوجب حمل تلك الفوقية على فوقية القدرة لا على فوقية الجهة.
فإن قيل : ما ذكرتموه على الضد من قولكم إن قوله ﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ دل على كمال القدرة.
فلو حملنا لفظ الفوق على فوقية القدرة لزم التكرار، فوجب حمله على فوقية المكان والجهة.
قلنا : ليس الأمر كما ذكرتم لأنه قد تكون الذات موصوفة بكونها قاهرة للبعض دون البعض وقوله ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ دل على أن ذلك القهر والقدرة عام في حق الكل.
والسابع : وهو أنه تعالى لما ذكر هذه الآية رداً على من يتخذ غير الله ولياً، والتقدير : كأنه قال إنه تعالى فوق كل عباده، ومتى كان الأمر كذلك امتنع اتخاذ غير الله ولياً.
وهذه النتيجة إنما يحسن ترتيبها على تلك الفوقيات كان المراد من تلك الفوقية، الفوقية بالقدرة والقوة.


الصفحة التالية
Icon